وعندئذ أقام مدرس المدرسة الشيخ أحمد الزرقا نجل أستاذنا الكبير الشيخ محمد الزرقا دعوى على وكيل المتولين يطلب فيها منعه من التشبث بكتاب الوقف المذكور ، لأنه ليس له قيد موثوق في سجلات المحكمة. وطالت المرافعة بينهما ، ولم يزل أحمد جودة مصرا على قطع رواتب المجاورين ، فتفرق لذلك من كان فيها وصرفوا وجوههم عن الالتفات إلى هذه المدرسة ، وبقيت عدة سنوات ليس فيها سوى بضعة أشخاص وكادت تخلو من الطلاب وتصبح خالية خاوية.
وفي سنة ١٣٤٢ اهتمت دائرة الأوقاف بأمرها بعض الاهتمام وألزمت وكيل المتولي أن يقبل الطلاب من أهالي حلب وغيرهم ، وذلك على أثر القرار الذي أعطي من قبل مجلس الأوقاف الأعلى الذي عقد في دمشق سنة ١٣٤٠ (وقد أوضحت ذلك في الكلام على المدرسة الأحمدية) فرتّب فيها ثلاثون طالبا وصارت تعطى لهم الرواتب ، غير أنه لم يطبق عليها النظام الموضوع للمدرسة الخسروية ، لذا لا ينتظر أن تأتي بالفائدة التي نتطلبها ما دامت هذه حالتها.
وليست هذه المدرسة بالمدرسة الفذة في عدم الانتظام ، بل في الشهباء عدة مدارس على شاكلتها تتجلى لك حالتها إذا سئلت عن وارداتها وعن حالة التدريس فيها ، وحينئذ يأخذك العجب إلى أقصاه وتأسف لتلك الأموال الطائلة والواردات الهائلة التي تذهب سدى ، ويتبين لك أن هذه المدارس لو اعتني في أمرها وصرف ريعها في السبيل الذي تستحقه لحييت تلك المعاهد العظيمة بالعلم والعرفان وجادت على هذه الديار وعلى غيرها من البلاد بوابل الفوائد ، ولا أدري أيبتسم ثغرها برؤية محيا ذلك اليوم أولا.
١٢٩١ ـ الحاج يوسف الداده الشاعر المشهور المتوفى سنة ١٣١٦
الحاج يوسف الداده بن حسن دده بن عمر دده البيرامي ، نسبة إلى التكية البيرامية ، الحلبي.
كان في حلبة الأدب من السابقين ، وفي صوغ عقود النظم والنثر من المجيدين ، مع رقة طبع ألطف من النسيم ، وحسن معاشرة تعيد العافية للسقيم ، ولطيف محاضرة تهتز طربا لها الأغصان ، وتبدد بها عن الفؤاد غياهب الأحزان.