له مدة طويلة ، ولا ندري إلى ماذا يؤديهم البحث. ولا ينافي ذلك لزهده رحمهالله في هذه الدنيا وإعراضه عنها إذا كان القصد من المال صرفه في سبيل الخير وفي المصالح العامة. نعم ينافي ذلك لو كان القصد به الوصول لحظ نفساني والتبسط في المآكل والمشارب والمناكح ، وقد علم من حال الشيخ رحمهالله مدة تزيد عن ستين سنة أنه كان بعيدا عن كل ذلك ، وهذه المدة الطويلة كافية للاختبار والوقوف على حقيقة أحوال الشيخ من التقوى والورع والزهد ومجاهدة النفس والعزلة عن الناس مما أصبح معروفا مشهورا مستفيضا بين جميع الناس.
وخلاصة القول فيه أنه كان عالم هذه الديار وبركة هذا الأقطار ولا بدع إذا قلنا إنه كان لهذه الأمة في هذا القرن ممن جدد لها أمر دينها ، فقد رأينا الكثير من تلامذته وممن سمعوا دروسه العامة من العوام على جانب عظيم من الصلاح والتقوى وحسن المعاملة أثرت في أعماق قلوبهم أنفاسه الطاهرة ومواعظه الحسنة ، فجلت عنها الصدأ أو أزالت عنها ما غشيها من ظلمة الجهالة ، فاستنارت بنور المعرفة واهتدت إلى الصراط المستقيم. ولم يزل بين ظهرانينا بقية من هؤلاء الصلحاء إلى اليوم ، والكل مجمعون على أنه لم يأت بعده مثله في علمه وأحواله رحمهالله تعالى وقدسسره.
١٢٥٤ ـ علي بن سعيد الجابري المتوفى سنة ١٢٩٤
علي أفندي ابن سعيد أفندي ابن محمد أسعد بن عبد القادر بن مصطفى بن أحمد بن أبي بكر بن أسعد ، المشهور بالجابري ، أحد وجوه الشهباء وسراتها وأعيانها.
ولد سنة ١٢٤١ ، ولاحت عليه أمارات النجابة منذ حداثته ، وحبب إليه الفضل وأهله والتحلي بمكارم الأخلاق ، فكان متواضعا دمث الأخلاق واسع الصدر سمح الكف. أنشأ بستانا كبيرا في السمت المعروف بسمت باب الله (بابلّا) سمي بستان باب الله ، وصرف عليه مبالغ طائلة وعمر فيه أبنية وقصورا واتخذه مسكنا له ونزلا وصارت الناس تهرع إليه ، فكان لا يرى خاليا من الضيوف ، منهم من يتناول الطعام ويعود ، ومنهم من يبيت عنده.
وبعد أن تولى عدة مناصب في حلب طلب إلى الآستانة ليكون عضوا في مجلس (شورى