وكان لا يألو جهدا في قضاء مصالح الناس وإن لم تساعده الظروف على قضاء مصلحة اعتذر أحسن اعتذار. ومع وجوده في عضوية مجلس الإدارة صار عضوا في لجنة دائرة الأوقاف وفي لجنة المهاجرين وفي لجنة النافعة. وورث أملاكا وقرى عن والده ، وزادت أملاكه على ما ورثه من أبيه لعنايته بالزراعة.
وكان من صلحاء الوجهاء ، حسن الاعتقاد ، محبا لأهل العلم والفضل ، مواظبا على الصلاة. وكان لا يدع صلاة الصبح في جامع المدرسة العثمانية الواقع بالقرب من داره ، وربما أيقظ خدمة الجامع للصلاة ، وبعد عودته يقرأ جزءا من القرآن ، ثم يجلس لاستقبال الزائرين إلى الضحوة الكبرى ، ثم يذهب لمجلس الإدارة.
وكان سمح اليد ، وبيته محط الرحال ، يؤمه الولاة والمأمورون المعينون لهذه الولاية والذاهبون إلى البلاد الشرقية والآيبون منها ، إذ لم يكن في الشهباء وقتئذ فنادق منظمة كما هو اليوم. وكان الآتون للشهباء والمارون بها ينزلون في البيوت كل صنف من الناس عند صنفه ، وكان هذا هو المعتاد في البلاد السورية والمصرية والعراقية والأناضولية وغيرها. وسمعت بعض الوجهاء يقول بعد وفاة المترجم : إن زكي بك ممن بيّض وجوه الحلبيين بصدره الرحب وحسن قراه لمن أمّ منزله.
وكان يلقب بزكي بك ، ثم لما أنعمت عليه الدولة العثمانية برتبة (أمير ميران) صار يدعى زكي باشا ، أنعم عليه برتبة (روم إيلي بكلربكي) ثم برتبة (بالا) وهي أكبر الرتب القلمية.
ومن آثاره الخالدة الجامع العظيم الذي عمره في المحلة المعروفة بالجميلية ، وسبب عمارته له أنه لما عمر جميل باشا والي حلب داره خارج باب الفرج غربي نهر قويق وغربي التربة الدقماقية التي درس معظمها واتخذ منها جادة وبني في قسم كبير منها دار عظيمة هي الآن دائرة الاقتصاد العامة [وقد ذكرت ذلك في ترجمة الوالي جميل باشا في الجزء الثالث] صار الناس يبنون هناك الدور ، وبني هناك المكتب السلطاني الكبير ، وتتابع البناء فأصبحت محلة واسعة سميت في دوائر الحكومة محلة السليمية ، غير أنه غلب عليها إلى الآن اسم (الجميلية) نسبة إلى جميل باشا المتقدم الذكر ، عند ذلك رأى المترجم أن المحلة أصبحت في حاجة لبناء جامع فيها ، فاهتم في ذلك واشترى أرضا مساحتها ١٤٦٠ ذراعا بالذراع