ونحن على أهنأ عيش وأصفى بال ، فصادف بعد نزولنا من عرفات بيوم حصول مرض الكوليرا (الهواء الأصفر) وصار يفتك في الحاج فتكا ذريعا بحيث كان يموت كل يوم ما يقرب من ألف إنسان بقي على ذلك نحو ١٥ يوما ، وكان ممن أصيب به سيدي الأخ ، وذلك في الخامس عشر من الشهر ، وفي الثامن عشر منه توفي إلى رحمة الله وعفوه ولم ينجع فيه دواء ، ودفن في المعلا ، وبعد يومين توفيت بنته وكان سنها نحو ثلاثة عشر عاما ، فكان مصابنا بهما جللا ورزؤنا عظيما ، وحزنا عليهما حزنا شديدا ، وأسف على سيدي الأخ كل من عرفه وعرف علمه وسمع بفضله ، وقد مضى على وفاته ثمان وثلاثون سنة وأنا لا أزال عليه حزينا وذلك لما كان عليه رحمهالله من العلم والفضل وكرم الأخلاق والزهد والورع والعبادة ، وكان مع ذلك كثير الصدقات. وفي أثناء وجوده في مكة لم يأل جهدا في إقراض المنقطعين من الحجاج الحلبيين دراهم ليعودوا إلى أوطانهم ، ولو طال عمره لكان أحد الأفراد علما وعملا وممن يشار إليه في هذا العصر ، ولكن قضاء الله لا مرد له وله الأمر من قبل ومن بعد.
١٢٧٣ ـ القاضي أمين أفندي المقيّد المتوفى سنة ١٣٠٨
الشيخ محمد أمين أفندي ابن محمد بن زكريا ابن الشيخ محمد المشهور بالمقيّد.
ولد بحلب سنة خمس وأربعين ومائتين وألف ، ونشأ بها ، وقرأ العلوم على أفاضل عصره ، فأخذ الفقه عن الشيخ مصطفى الأريحاوي أمين الفتوى الفقيه المشهور وقتئذ ، والعلوم العربية وعلم الحديث عن مفتي حلب الشيخ عبد القادر سلطان ، وعلم الفرائض عن الشيخ مصطفى الشربجي والشيخ عبد المعطى البابي ثم الحلبي ، وكلاهما من المشاهير في هذا العلم. وفي مدة وجيزة ظهر فضله واستبان نبله ، وأول ما تولاه من الوظائف حفظ السجلات وقيد الصكوك في المحكمة الشرعية بحلب ، ثم معاونا لرئيس الكتاب فيها ، وذلك في سنة ست وستين ومائتين ، وفي سنة تسع وستين صار ينوب في الحكم عن قاضي حلب السيد محمد سعيد بك درناقجي زاده عند ذهابه لحضور الجلسات في المجلس الكبير المشكل وقتئذ في الولاية ، وهو كمجلس الإدارة في زماننا. وفي سنة أربع وسبعين عين لقضاء أنطاكية ، ثم عين نائبا في محكمة حلب الشرعية. وفي ست وسبعين عين درناقجي زاده المتقدم قاضيا في الشام ، فدعا المترجم إلى دمشق وجعله نائبا معه إلى أن انتهت مدته ،