(عودا إلى الترجمة) : ولما أتى الشيخ علي اليشرطي الشاذلي المغربي إلى الديار السورية وذلك سنة ١٢٦٦ وشاع أمره في هذه البلاد وانتشرت طريقته فيها كان المترجم من جملة من رحل إليه إلى عكا ، ورافقه في الرحلة إليه الشيخ محمد الشعار الريحاوي من علماء ريحا ، وأخذ عنه الطريقة الشاذلية اليشرطية ، وعاد إلى حلب متزودا بمزيد الاعتقاد في الشيخ سالكا طريقته الحسنة واستقامته المستحسنة ، وصار يقيم الذكر في جامع الزينبية في محلة الفرافرة وصارت الناس تبايعه. وأخذ عنه هذه الطريقة عدة من وجوه الشهباء. ولم يزل ناهجا ذلك المنهج من التمسك بالشرع وآدابه والوقوف عند حدوده ورسومه لا يحيد عنه قيد شبر حتى اخترمته المنية في التاريخ المتقدم.
ثم حضر بعده إلى حلب في أول القرن الرابع عشر رجل من أهالي ريحا يقال له الشيخ عمر الريحاوي ، وكان ممن أخذ هذه الطريقة عن الشيخ علي وصار الناس يبايعونه ، وكان وعاؤه ممتلئا فسقا وفجورا فسطا على عقول بعض العوام وفتح للجهلة المنتسبين إلى هذه الطريقة باب القول بوحدة الوجود ، تلك المقالة الشنعاء المردودة ببداهة العقل ، وخلاصتها أن جميع ما في هذا الكون هو الله لا فرق في ذلك بين البشر والبقر ، ولا تفاوت بين الطيبات والمستقذرات ، فساقهم ذلك إلى انتهاك حرمات الشرع واستباحة المحظورات ، فارتكبوا المعاصي واقترفوا المآثم ، فصدق في هؤلاء الجهلة قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(١).
وحدثني من أثق به من ذوي الاستقامة من أهل طريقتهم الذين أخذوها بصفاء قلب وحسن نية أن الشيخ عليا كان حينما يبلّغ أمثال هذه الحوادث عن بعض مريديه يغضب لذلك وتثور حفيظته ويقول لخواصه : ازجروا هؤلاء وحولوا بينهم وبين التلطخ بهذه القاذورات والوقوع في هذه الموبقات بالموعظة الحسنة ، وأرشدوهم إلى الطريق السويّ ولا تسيئوا سمعة هذه الطريقة.
ولكن هيهات هيهات ، فقد قيل ما قيل وسبق السيف العذل ، وكان لهؤلاء الجهلة صولة في بعض محلات حلب في ابتداء هذا القرن وكثر مشايعوهم وسرت فكرتهم إلى أمثالهم في إدلب وريحا ، فأتى هؤلاء بالقبائح والمنكرات ، فكان ممن تصدى ثمة لمقاومتهم
__________________
(١) مريم : ٥٩.