وفيه ذلك المعنى الذي في المنصوب كما كان ذلك في الأول ، ومن ذلك قول العرب فاها لفيك ، وإنما تريد فالداهية كأنه قال تربا لفيك فصار بدلا من اللفظ بالفعل وأضمر له كما أضمر للتّرب والجندل فصار بدلا من اللفظ بقوله دهاك الله ، وقال أبو سدرة الهجميّ : [طويل]
(١) تحسّب هوّاس وأقبل أنّني |
|
بها مفتد من واحد لا أغامره |
فقلت له فاها لفيك فإنّها |
|
قلوص امرىء قاريك ما أنت حاذره |
ويدلّك على أنه يريد به الداهية ، قوله (أى قول الخنساء) : [متقارب]
(٢) وداهية من دواهي المنو |
|
ن يرهبها الناس لافالها |
فجعل للداهية فما حدّثنا بذلك من نثق به.
[باب ما أجرى مجرى المصادر المدعوّ بها من الصفات]
وذلك قولك هنيئا مريئا كأنّك قلت ثبت لك هنيئا مريئا وهنأه ذلك هنيئا وإنما نصبه لأنه ذكر لك خير أصابه رجل فقلت هنيئا مريئا كأنّك قلت ثبت
__________________
(٢٥٨) الشاهد فيه قوله فاها لفيك اي فم الداهية لفيك ونصبه على اضمار فعل والتقدير ألصق الله فاها لفيك وجعل فاها لفيك ونحو هذا من التقدير ووضع موضع دهاك الله فلذلك الزم النصب لانه بدل من اللفظ بالفعل فجرى في النصب مجرى المصدر وخص الفم في هذا دون سائر الاعضاء لان أكثر المتالف تكون منه بما يؤكل او يشرب من السموم ، ويقال معنى فاها لفيك فم الحية لفيك ، فمعناه على هذا خيبك الله والاول تقدير سيبويه وكلاهما صحيح* وصف اسدا عرض له طعاما في راحلته ومعنى تحسب وحسب وظن واحد ، والهواس من صفات الاسد وهو من هست الشيء اذا كسرته ودققته ، وأراد بالواحد الاسد ، والمغامرة المحاربة والمدافعة وأصلها الدخول في الغمرات وهي الشدائد ، والقلوص الناقة الفتية ، وقوله قاريك ما أنت حاذره أي لاقرى لك عندي الا السيف والمكروه.
(٢٥٩) استشهد به لما فيه من الدلالة على ان قوله فاهالفيك يراد به فم الداهية على ما بينت من تفسير مذهبه ومعنى لافالها لا مدخل الى معافاتها والتداوي منها أى هي داهية مشكلة والمنون الدهر وهو أيضا المنية.