[باب ما جرى منه على الأمر والتحذير]
وذلك قولك اذا كنت تحذّر إيّاك كأنّك قلت إياك نحّ وإياك باعد وإياك اتّق وما أشبه ذا ، ومن ذلك أن تقول نفسك يا فلان أى اتّق نفسك الّا أنّ هذا لا يجوز فيه إظهار ما أضمرت ولكن ذكرته لأمثّل لك ما لا يظهر إضماره ، ومن ذلك أيضا قولك إياك والاسد ، وإياى والشرّ كأنه قال إياك فأتّقينّ والأسد وكأنه قال إياى لأتّقينّ والشرّ فاياك متّقى والاسد والشرّ متّقيان فكلاهما مفعول ومفعول منه ومثله إياى وأن يحذف أحدكم الأرنب ومثله إياك وإياه وإياى وإياه كأنه قال إياك باعد وإباه أو إياى نحّ ، وزعم أنّ بعضهم يقال له إياك فيقول إياى كأنه قال إياى أحفظ وأحذر وحذفوا الفعل من إياك لكثرة استعمالهم إياه في الكلام فصار بدلا من الفعل وحذفوا كحذفهم حينئذ الآن فكأنّه قال احذر الأسد ولكن لا بدّ من الواو لأنه اسم مضموم إلى آخر ، ومن ذلك رأسه والحائط كأنّه قال خلّ أودع رأسه مع الحائط فالرأس مفعول والحائط مفعول معه فانتصبا جميعا ، ومن ذلك قولهم شأنك والحجّ كأنه قال عليك شأنك مع الحجّ ، ومن ذلك امرءا ونفسه كأنه قال دع أمرءا مع نفسه فصارت الواو في معني مع كما صارت في معني مع في قولهم ما صنعت وأخاك ، وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعني فهو عربىّ جيّد كأنه قال عليك رأسك وعليك الحائط وكأنه قال دع أمرءا ودع نفسه فليس ينقض هذا ما أردت في معني مع من الحديث ، ومثل ذلك أهلك والليل كأنه قال بادر أهلك قبل الليل ، وإنما المعني أن يحذّره أن يدركه الليل والليل محذّر منه كما كان الأسد محتفظا منه ، ومن ذلك قولهم ماز رأسك والسيف كما تقول رأسك والحائط وهو يحذّره ، كأنّه قال اتّق رأسك والحائط ، وإنّما حذفوا الفعل في هذه الأشياء حين ثنّوا لكثرتها في كلامهم واستغناءا بما يرون من الحال وبما جرى من الذكر ، وصار المفعول الاوّل بدلا من اللفظ بالفعل حين صار عندهم مثل إياك ولم يكن مثل إياك لو أفردته لأنه لم يكثر في كلامهم كثرة إياك فشبّهت بايّاك حيث طال الكلام وكان كثيرا في الكلام ، ولو قلت نفسك أو رأسك أو الجدار كان إظهار الفعل جائزا نحو قولك اتّق رأسك واحفظ نفسك واتّق الجدار ، فلما ثنّيت صار بمنزلة إيّاك