[باب ما يختار فيه إعمال الفعل مما يكون في المبتدإ مبنيّا عليه الفعل]
وذلك قولك رأيت زيدا وعمرا كلمّته ، ورأيت عمرا وعبد الله مررت به ، ولقيت قيسا وبكرا أخذت أباه ، ولقيت خالدا وزيدا اشتريت له ثوبا ، وانّما اختير النصب هيهنا لانّ الاسم الاوّل مبنىّ على الفعل فكان بناء الآخر على الفعل أحسن عندهم اذ كان يبنى على الفعل وليس قبله اسم مبنىّ على الفعل ليجرى الآخر على ما جرى عليه الذي يليه قبله اذ كان لا ينقض المعنى لو بنيته على الفعل وهذا أولى أن يحمل عليه ما قرب جواره منه اذ كانوا يقولون ضربوني وضربت قومك لانه يليه فكان أن يكون الكلام على وجه واحد اذا كان لا يمتنع الآخر من ان يكون مبنيّا على ما بنى عليه الاول أقرب في المآخذ ، ومثل ذلك قوله عزوجل (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وقوله عزوجل (وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) ومثله (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) وهذا في القرآن كثير ومثل ذلك كنت أخاك وزيدا كنت أخاله لان كنت أخاك بمنزلة ضربت أخاك وتقول لست أخاك وزيدا أعنتك عليه لانها فعل وتصرّف في معناها تصرّف كان ، وقال الربيع بن ضبع الفزارىّ :
(١) أصبحت لا أحمل السّلاح ولا |
|
أردّ رأس البعير إن نفرا |
والذّئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدى وأخشى الرّياح والمطرا |
__________________
(٧٧) استشهد في البيتين لاختيار النصب في الاسم اذا كان قبله اسم بني على الفعل وعمل فيه طلبا للاعتدال وتقدير البيت أصبحت لا أحمل السلاح وأخشى الذئب أخشاه فحذف الفعل الناصب للذئب لدلالة الفعل الثاني عليه* وصف في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوته فلا يطيق حمل السلاح لحرب ولا يملك رأس البعير ان نفر من شىء واذا خلا بالذئب خشيه على نفسه وانه لا يحتمل برد الرياح وأذى المطر لهرمه وضعفه ، والربيع هذا أحد المعمرين ويقال إنه نيف على مائتي عام ويروى ولا أملك رأس البعير أن يقرا من الوقار أى لضعفه لا يملك تسكين بعيره وتوقيره عند النفار ، ونسب الوقار الى الرأس لانه الموضع الذي يملك منه ويحاول تسكينه.