ولم تستحكم هيهنا العلامات كما لم تستحكم في عجبت من ضربي إيّاك ولا في كان إيّاه ، ولا في ليس إيّاه ، وتقول حسبتك إيّاه وحسبتني إيّاه لان حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم ، وذلك لأن حسبت بمنزلة كان انما يدخلان على المبتدإ والمبني عليه ، فيكونان في الاحتجاج على حال ، ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم الذي يقع بعدهما كما لا يقتصر عليه مبتدءا ، والمنصوبان بعد حسبت بمنزلة المرفوع والمنصوب بعد ليس وكان ، وكذلك الحروف التي بمنزلة حسبت وكان لأنهما إنما يجعلان المبتدأ والمبنيّ عليه فيما مضى يقينا أو شكا أو علما ، وليس بفعل أحدثته منك الي غيرك كضربت وأعطيت انما تجعل الأمر في علمك يقينا أو شكا فيما مضى ولا يجوز أن تقول ضربتني ولا ضربت إيّاي ، لا يجوز واحد منهما لأنهم قد استغنوا عن ذلك بضربت نفسي وإيّاي ضربت.
[باب لا تجوز فيه علامة المضمر المخاطب ولا علامة المضمر المتكلّم ولا علامة] (المضمر المحدّث عنه الغائب)
وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول للمخاطب اضربك ولا اقتلك ولا ضربتك لمّا كان المخاطب فاعلا وجعلت مفعوله نفسه قبح ذلك لأنهم استغنوا بقولهم اقتل نفسك وأهلكت نفسك عن الكاف هيهنا وعن إيّاك ، وكذلك المتكلّم لا يجوز له أن يقول أهلكتني ولا أهلكنى ، لأنه جعل نفسه مفعوله فقبح ، وذلك لأنهم استغنوا بقولهم أنفع نفسي عن ني وعن إيّاي ، وكذلك الغائب لا يجوز لك أن تقول ضربه اذا كان فاعلا وجعلت مفعوله نفسه لأنهم استغنوا عن الهاء وعن إيّاه بقولهم ظلم نفسه وأهلك نفسه ، ولكنه قد يجوز ما قبح هيهنا في حسبت وظننت وخلت وأرى وزعمت ورأيت اذا لم تعن رؤية العين ووجدت اذا لم ترد وجدان الضالة ، وجميع حروف الشك وذلك قولك حسبتني وأراني ووجدتني فعلت كذا وكذا ورأيتني لا يستقيم لي ذلك ، وكذلك ما أشبه هذه الأفعال تكون حال علامات المضمرين المنصوبين فيها اذا جعلت فاعليهم أنفسهم
__________________
ـ الشاعر وصف شدة أصابه بها رجلان فيقول قد جعلت نفسي تطيب لاصابتهما بمثل الشدة التي أصاباني بها وضرب الضغمة مثلا ثم وصف الضغمة فقال يقرع العظم نابها فجعل لها نابا على السعة ، والمعنى يصل الناب فيها الى العظم فيقرعه والرجلان من قومه وهما مدرك ومرة.