موقعها ، وقد تكون علامته اذا أضمر إيّا ، فأما علامة الثاني التي لا تقع إيّا موقعها فقولك أعطانيه وأعطانيك فهذا هكذا اذا بدأ المتكلّم بنفسه ، فان بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال أعطاكني أو بدأ بالغائب قبل نفسه فقال قد أعطاهوني فهو قبيح لا تكلم به العرب ولكن النحويين قاسوه ، وانما قبح عند العرب كراهية أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب ، ولكن تقول أعطاك ايّاي وأعطاه إيّاى ، فهذا كلام العرب وجعلوا إيّا تقع هذا الموقع اذا قبح هذا عندهم كما قالوا ايّاك رأيت وإيّاي رأيت اذ لم يجز لهم ني رأيت ولاك رأيت ، فاذا كان المفعولان اللّذان تعديّ اليهما فعل الفاعل مخاطبا وغائبا فبدأت بالمخاطب قبل الغائب فان علامة الغائب العلامة التي لا تقع موقعها إيّا وذلك قوله أعطيتكه وقد أعطاكه ، وقال عزوجل (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) فهذا هكذا اذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب ، وانما كان المخاطب أولى بان يبدأ به من قبل أن المخاطب أقرب الى المتكلم من الغائب ، فكما كان المتكلم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطب كان المخاطب الذي هو أقرب من الغائب أولى بان يبدأ به من الغائب ، فان بدأت بالغائب فقلت أعطاهوك فهو في القبح وأنه لا يجوز بمنزلة الغائب والمخاطب اذا بدىء بهما قبل المتكلم ولكنك اذا بدأت بالغائب قلت قد أعطاه ايّاك ، وأما قول النحويين قد أعطاهوك وأعطاهونى فانما هو شيء قاسوه لم تكلم به العرب فوضعوا الكلام في غير موضعه وقياس هذا لو تكلم به كان هيّنا ، ويدخل على من قال هذا أن يقول الرجل اذا منحته نفسه قد منحتنيني ، ألا ترى أن القياس قد قبح اذا وضعت ني في غير موضعها ، فان ذكرت مفعولين كلاهما غائب فقلت أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربي ولا عليك بأيهما بدأت من قبل أنهما كلاهما غائب ، وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم والأكثر في كلامهم أعطاه إيّاه على أنه قد قال الشاعر (وهو مغلس بن لقيط الاسدي) : [طويل]
(١) وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة |
|
لضغمهما ها يقرع العظم نابها |
__________________
(٥٨٠) الشاهد في قوله لضغمهما ها وكان وجه الكلام لضغمهما اياها لأن المصدر لم يستحكم في العمل والاضمار استحكام الفعل والضغمة العضة ومنه قيل للاسد ضيغم ، وهذا ـ