حملنا على تفسير لبّيك وسعديك وضح به وجه نصبهما لأنهما ليسا بمنزلة سقيا ورعيا وحمدا وما أشبهه ، ألا ترى أنك تقول للسائل عن تفسير سقيا وحمدا إنما هو سقاك الله سقيا وأحمد الله حمدا ، وتقول حمدا بدل من أحمد وسقيا بدل من سقاك الله ، ولا تستطيع أن تقول ألبك لبّا وأسعدك سعدا ، ولا تقول سعدا بدل من أسعد ولا لبّا بدل من ألبّ ، فلما لم يكن ذاك فيه التمس له شيء من غير لفظه معناه براءة الله حين ذكرتها لأبيّن معنى سبحان الله فالتمست ذلك للبّيك وسعديك وللفظ الذي اشتقا منه اذ لم يكونا فيه بمنزلة الحمد والسّقي في فعلهما ، ولا يتصرّفان تصرّفهما فمعناهما القرب والمتابعة فمثّلت بهما النصب في سعديك ولبّيك كما مثّلت ببراءة النصب في سبحان الله ، ومثل ذلك تمثيلك أفّة وتفّة اذا سئلت عنهما تقول نتنا لأنّ معناهما وحدهما واحد مثل تمثيلك بهرا بتبّا ودفرا بنتنا ، وأما قولهم سبّح ولبّى وأفّف فانما أراد أن يخبرك أنه قد لفظ بسبحان الله وبلبّيك وبأفّ فصار هذا بمنزلة قوله قد دعدع وقد بأبأ اذا سمعته يلفظ بدع وبقوله بأبى ، ويدلك على ذلك قوله هلّل اذا قال لا إله إلا الله ، وإنما ذكرت هلّل وما أشبهه لتقول قد لفظ بهذا ولو كان هذا بمنزلة كلمّته من الكلام لكان سبحان الله ولبّ وسعد مصادر مستعملة متصرّفة في الجر والرفع والنصب والألف واللام ولكن سبّحت ولبّيت بمنزلة هلّلت ودعدعت اذا قال دع ولا إله إلّا الله.
[باب ما ينتصب فيه المصدر المشبّه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره]
وذلك قولك مررت به فاذا له صوت صوت حمار ومررت به فاذا له صراخ صراخ الثّكلى.
وقال الشاعر (وهو النابغة الذّبياني) : [بسيط]
(١) مقذوفة بدخيس النّحض بازلها |
|
له صريف صريف القعو بالمسد |
__________________
(٢٨٧) الشاهد فيه نصب صريف القعو على المصدر المشبه به والعامل فيه فعل مضمر ـ