فانما أراد ولا يخرج فيما أستقبل كأنّه قال ولا يخرج خروجا ، ألا تراه ذكر عاهدت في البيت الذي قبله فقال :
ألم ترني عاهدت ربي وإنّني |
|
لبين رتاج قائما ومقام |
ولو حمله على أنه نفى شيئا هو فيه ولم يرد أن يحمله على عاهدت لجاز ، والى هذا الوجه كان يذهب عيسى فيما نرى لأنه لم يكن يحمله على عاهدت ، فاذا قلت ما أنت إلا قائم وقاعد وأنت تميمى مرّة وقيسى أخرى وإنّي عائذ بالله ارتفع ، ولو قال هو أعور وذو ناب لرفع ، فهذا كلّه ليس فيه إلا الرفع لأنّه مبنىّ على الاسم الأوّل والآخر هو الأوّل فجرى عليه ، وزعم يونس أنّ من العرب من يقول عائذ بالله أي أنا عائذ بالله كأنه أمر قد وقع بمنزلة الحمد لله وما أشبه ذلك وزعم الخليل أنّ رجلا لو قال أتميمي يريد أنت ويضمرها لأصاب ، وإنما كان النصب الوجه لانه موضع يكون الاسم فيه معاقبا للّفظ بالفعل فاختير فيه كما يختار فيما مضى من المصادر التي في غير الأسماء ، والرفع جيّد لأنه المحدّث عنه والمستفهم ، ولو قال أعور وذو ناب كان مصيبا ، وزعم يونس أنّهم يقولون عائذ بالله ، فان أظهر هذا المضمر لم يكن الا الرفع اذ جاز الرفع وأنت تضمر وجاز لك أن تجعل عليه المصدر وهو غيره في قوله أنت سير سير فلم يجز حيث أظهر عندهم غيره كما أنّه لو أظهر الفعل الذي هو بدل منه لم يكن إلا نصبا كما لم يجز في الاضمار أن تضمر بعد الرافع ناصبا كذلك لم تضمر بعد الاظهار وصار المبتدأ والفعل يعمل كلّ واحد منهما على حدة في هذا الباب لا يدخل واحد على صاحبه.
[باب ما يجىء من المصادر مثنىّ منتصبا على إضمار الفعل المتروك إظهاره]
وذلك قولك حنانيك كأنه قال تحنّنا بعد تحنن كأنّه يسترحمه ليرحمه ، ولكنهم حذفوا الفعل لأنه صار بدلا منه ، ولا يكون هذا مثنى إلا في حال إضافة كما لم يكن سبحان الله ومعاذ الله إلا مضافين ، فحنانيك لا يتصرّف سبحان الله وما أشبه ذلك ، قال الشاعر (وهو طرفة بن العبد) : [طويل]