واستحى (١) وظنّ أن فرّط فيها ، وأنه يعجز عن القيام بها ، فلهذا طالبه.
ولمّا اعتقله أمره أن يسلم القضاء إلى محمد بن شاذان الجوهرى ، ففعل ، وجعله كالخليفة له والنائب عنه (٢). وقال الحسن اللّيثى : حدّثنى بعض شيوخ مصر قال : مررت فى أول اللّيل و «بكّار» فى غرفته يبكى ويصلى ويقول : (كَلَّا إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى)(٣) يرددها ما تجاوزها.
وروى أبو حاتم ابن أخى «بكّار» قال : قدم على عمّى «بكار» رجل من البصرة ، [عنده علم وزهادة وفضل ونسك ، فأكرمه عمّى وقرّبه](٤) وأدناه ، وذكر أنه كان معه فى المكتب (٥) فى البصرة ، ومضت به الأيام حتى جاء الرجل فى شهادة ، ومعه شاهد من شهود مصر ، فأدّوا الشهادة عند عمّى ، فما قبل شهادة ذلك الرّجل ، فلما خرج وهو منكسر القلب قلت لعمى : هذا رجل زاهد ، عالم ، وأنت تعرفه. فقال : يا بن أخى ، مارددت شهادته ، إلّا أنّا لمّا كنا صغارا فى المكتب جلست أنا وإيّاه على مائدة فيها أرز وحلوى (٦) ، فنقبت الأرز بأصبعى ، فقال لى : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها)(٧) [فقلت له] : أتهزأ (٨) بكلام الله على الطعام؟! ثم أمسكت عن كلامه مدّة ، فما أقدر على قبوله وأنا أذكر ذلك منه.
__________________
(١) استحى واستحيا : خجل. ومن قوله : «فلما نظر أحمد ..» إلى قوله : «والنائب عنه» عن «م» وساقط من «ص».
(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».
(٣) سورة المعارج ـ الآيات من ١٥ ـ ١٧. والمراد بلظى : جهنم والعياذ بالله ، ونزّاعة للشّوى ، أى : قلّاعة للأطراف أو جلد الرأس.
(٤) ما بين المعقوفتين عن «ص».
(٥) المكتب : مكتب تحفيظ القرآن (الكتّاب).
(٦) فى «م» : «وحلو».
(٧) من الآية ١٧ من سورة الكهف.
(٨) ما بين المعقوفتين عن «ص» .. وفى «م» : «أتهتزئ».