وكان يكثر الوعظ للخصوم ، ويتلو عليهم قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(١). وكان يفعل هذا مع كلّ حالف ، فمنهم من يخاف (٢) ويرجع عن اليمين ، ومنهم من يحلف.
وحكى أيضا عنه أنه كان إذا أراد أن يحلّف شخصا أمره (٣) أن يقرأ : (وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) إلى قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ)(٤). ثم يقول له احلف بعد ذلك (٥).
وحكى عنه أنّ رجلا قال له ذلك ، فقرأ وحلف ، وكان كاذبا (٦) فى يمينه ، فبرزت عيناه من وجهه ، فامتنع ـ بعد ذلك ـ الفاجر أن يحلف. وكان يحاسب أمناءه فى كل وقت ، ويسأل عن الشهود.
وكان أحمد بن طولون يجيزه (٧) فى كل سنة بألف دينار [زيادة على القدر المقرر له](٨) ، فلما جرى بينه وبينه ما جرى ، قال له ابن طولون : أين جوائزى؟ يجاء بها .. فأرسل إليه ابن طولون ، فوجد فى منزله ستة عشر كيسا (٩) ما مسّها «بكّار» ، فحملها إليه ، فلما نظر أحمد خجل
__________________
(١) سورة آل عمران ـ الآية ٧٧.
(٢) فى «م» : «يخالف».
(٣) هكذا فى «ص» .. وفى «م» : «أنه أراد أن يحلف شخصا فيأمره ..».
(٤) سورة الطور ـ الآيات من ١ ـ ٨.
(٥) فى «م» : «فيقرأ الخصم ذلك [فيتوب] من وقته». وفيها «تاب» مكان «فيتوب». وما أثبتناه هنا عن «ص».
(٦) فى «ص» : «وحلف كاذبا».
(٧) أى يعطيه جائزة.
(٨) ما بين المعقوفتين عن «م».
(٩) هكذا فى «م» وفى «ص» .. وفى سير أعلام النبلاء (ج ١٢ ص ٦٠٣) ، ووفيات الأعيان (ج ١ ص ٢٧٩): «وطالبه ـ أى : ابن طولون ـ بجملة المبلغ الذي كان يأخذه ـ أى : بكار ـ كل سنة ، فحمله إليه بختمه ، وكان ثمانية عشر كيسا».