وروى عن الشيخ العارف أبى إسحاق إبراهيم بن مزيبيل (١) الضرير أنه قال : كان الشيخ أبو عمرو عثمان بن مرزوق القرشىّ ، رضى الله عنه ، من أوتادهم ، وكان سابغ الكفّ ، ظاهر الكرامات .. زاد النيل فى زمانه سنة من السنين زيادة كادت مصر أن تغرق ، فأقام الناس على الأرض حتى كاد وقت الزرع أن يفوت ، فضج الناس وجاءوا إلى الشيخ أبى عمرو بسبب ذلك ، فأتى إلى شاطىء النيل فى ذلك الوقت ، وتوضّأ فيه بإبريق كان مع خادمه ، فنقص النيل لوقته نحو ذراعين ونقص حتى انكشفت الأرض ، وزرع الناس فى اليوم الثانى (٢). وبلّغ الله سبحانه وتعالى به المنافع ، وبارك فى زرع الناس تلك السنة.
قال : وحكى لى خادمه الشيخ الصالح أبو العباس أحمد بن بركات السعدى المقرى ، رحمه الله تعالى : أنّ الشيخ صلّى العشاء بمنزله بمصر فى ليلة مظلمة ، وخرج ، وخرجت خلفه والأرض تطوى تحتنا كالكرة ، والأنوار تسعى بين أيدينا وعن أيماننا وشمائلنا ، ولا تنتهى إلى جبل ولا نشز (٣) من الأرض إلّا اندكّ بين يديه وكأنه لم يكن ، حتى أتينا فى أسرع وقت إلى مكة ـ شرّفها الله تعالى ـ فطاف ، وصلّى بها أكثر الليل ، حتى خرج ـ وأنا خلفه ـ يسير كذلك إلى المدينة الشريفة النبوية ، صلى الله على صاحبها وسلم ، فزار وصلّى ما شاء الله تعالى أن يصلى ، ثم خرج ـ وأنا خلفه ـ يسير كذلك إلى بيت المقدس ، فزار وصلّى ما شاء الله تعالى أن يصلى ، ثم خرج ـ وأنا خلفه ـ يسير كذلك إلى أن دخلنا مصر والمؤذن ينادى بالفجر ، فو الله لقد رجعت وأنا لا أقوى من أول الليل ، ولم أكن وجدت تعبا ولا نصبا ، وأخذ علىّ الشيخ ألّا أتكلّم بذلك فى حياته ، فما تكلمت به إلّا بعد وفاته ، رضى الله عنه.
__________________
(١) فقيه ، من أكابر الحنابلة ، وكان أكثر كلامه قوله : «أكبر الناس عيشا من ترك الدنيا لأهلها».
[انظر الكواكب السيارة ص ٣٠٤].
(٢) هذه العبارة وردت فى «م» وفيها اضطراب فى المعنى ، وما أثبتناه هنا عن كرامات الأولياء ج ٢ ص ٢٨٧.
(٣) النّشز : ما ارتفع وظهر من الأرض.