الصّوافّ (١). وقال له بعضهم : صلّ فيها. قال : فأتيت إلى الشيخ أبى الحسن الدّينورىّ ، فلما وقفت على مجلسه ووقعت عينه علىّ قال : يا بنىّ ، الصّلاة فى الجامع خير من الصّلاة فى القيساريّة والصّواف. قال : فمن ثمّ لزمت الصّلاة فى الجامع.
ومن كراماته أيضا ، ما ذكره صاحب الحكاية السابقة ، قال : خرجت فى ليلة مقمرة فى الشّتاء إلى صحن الجامع ، [وكان الشيخ جالسا مع أصحابه ، فجاء فتى فجلس معى ، ونظر إلى السماء وقال](٢) : ألا ترى هذا الغيم وهذا الضياء؟! هذا نور ربّ العزّة! فقلت : «هذا نور مخلوق ، ونور الله ليس بمخلوق».
فخالفتى الفتى فى ذلك ، وقمنا على ذلك. فوجّه إلىّ الدّينورىّ رجلا من أصحابه فقال له : قل له : «أثبت على ما أنت عليه ولا تبال ممّن خالفك ، فإنّ الحقّ معك ، ولا تكلّم من خالفك إلى أن يتوب»!
فعجبت من الرّجل وقلت : من أبلغه ما كان بيننا؟! لا أعلم أنّ أحدا علم ذلك إلّا الله سبحانه وتعالى ، وهجرت الفتى مدّة اثنى عشر يوما إلى أن رجع عمّا كان عليه.
ومن ذلك أنّى كنت ألزم الصّفّ الأوّل فى المقصورة ، فإذا خلوت جاءنى إبليس بوسواس يلقيه فى قلبى فأغتّمّ لذلك ، فقلت : ليس لى إلّا الدّينورىّ ، فجئت إليه وهو فى مجلسه يتكلم على الناس ، فهبت أن أسأله ، فأجابنى عن سؤالى قبل أن أسأله ، وأحسن فى جوابه ، ثم ختم بأن قال : ابتهل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء.
__________________
(١) قيسارية : بلد على ساحل بحر الشام ، وتعد فى أعمال فلسطين ، ولا أدرى ما يريد بالصواف ، وربما كان يعنى بها مرابط الإبل أو مكانا بعينه.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا لاستقامة السياق والمعنى.