ذكر أبو جعفر الطحاوى عنه أنه كان جنديّا من جند السّرىّ بن الحكم أمير مصر ، فركب السّرىّ يوما من بعض الأيام ، وكان محمود معه ، فعارض السّرىّ رجل فى طريقه ووعظه بشىء أغاظه ، فالتفت إلى محمود وقال له اضرب عنق هذا. فانتضى (١) محمود سيفه ورمى برأس الرّجل فى الطريق ، فلما رجع محمود إلى منزله خلا بنفسه ، وتفكّر وندم ، وقال : تكلّم الرّجل بكلمة حقّ فقتله ، على ما ذا؟! لم لم أمتنع؟! (٢).
وكثر أسفه وبكاؤه ، وآلى على نفسه ألّا يرجع إلى (٣) خدمة الأمير أبدا.
ثم أقبل على العبادة ، وتقرّب إلى الله تعالى ، فيقال إنه رأى المقتول فى منامه وهو يتبختر (٤) فى الجنة ، فقال له : ما فعل الله بك؟ قال : غفر لى وأدخلنى الجنّة. وقال له : يا محمود ، قل لأستاذك : يا ظالم ، قد سبقك غريمك إلى أحكم الحاكمين!
ثم إنّ محمودا (٥) عمّر المسجد المذكور (٦) ، المجاور لمشهد إبراهيم بن اليسع ، وأقام به شرائع الإسلام ، وأول من خطب به السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن السيد الشريف شمس الدين بن عبد الله محمد ، قاضى العساكر المنصورة ، والمدرس بمدرسة السلطان الناصر صلاح الدين بن أيوب ، المجاورة لجامع عمرو ، به عرفت المدرسة إلى الآن ، وكان أيضا نقيب الأشراف.
__________________
(١) انتضى سيفه : أخرجه من غمده .. وفى «م» : «فاقتضى» تحريف من الناسخ.
(٢) فى الكواكب السيارة : «تكلم رجل بكلمة حقّ فقتلته فكيف يكون حالك إذا وقفت بين يدى الله؟! وبكى بكاء شديدا ...» الخ.
(٣) فى «م» : «أنه لا يرجع على» وما أثبتناه عن المصدر السابق.
(٤) يتبختر : يتمايل ويمشى مشيد المعجب بنفسه .. وفى «م» : «يتمختر» عامية. وفى المصدر السابق : «يخطر فى الجنة».
(٥) فى «م» : «محمود» لا تصح ، والصواب بالنصب.
(٦) هو مسجد «محمود» المسمى باسمه.