وكان الشيخ عفّان إذا خرج لصلاة الصبح أخذ فى كمّه صررا ففرقها على الناس ، فيها (١) من عشرة دنانير إلى خمسين دينارا ، فقيل إنه خرج يوما على جارى عادته فوجد رجلا جالسا مستندا إلى الحائط مهموما ، فترك فى حجره صرّة فيها خمسون دينارا ، فانتبه الرجل فوجدها فى حجره ، فأخذها وجاء إلى حانوته ، فجاء وكيل عفّان وطالبه بمال عنده لعفّان ، فدفع الصّرّة للوكيل كما هى ، وجبا الوكيل عليها (٢) إلى آخر النهار ، وجاء بالمال لعفّان فسلّمه له ، فأخذه عفّان ونظر فوجد الصّرّة التى دفعها فى أول النهار عادت إليه ، فقال للوكيل : ممّن أخذت هذه؟ قال : من فلان الزّيّات. قال : ائتنى به. فلما حضر قال : من أين لك هذه الصّرّة؟ قال : يا سيدى حديثى فيها غريب .. انكسر علىّ مال لوكيلك ، وهو مائة دينار ، فلما كان أمس طالبنى وألحّ علىّ ، فوعدته على الغد ، فلما كان تلك الليلة بتّ مهموما ، ولمّا أصبحت صليت الصّبح ودعوت الله ـ عز وجلّ ـ وسألته أن يفرّج عنّى ، وأسندت ظهرى للمحراب ، فلم أشعر إلّا وقد استغرقت فى النوم ، فلما استيقظت وجدت هذه الصرة فى حجرى ، فأخذتها وفتحت دكّانى وجلست ، فلما جاءنى وكيلك دفعتها له ، وفرّج الله عنى. فهذا ما كان من أمرى.
فقال عفّان للوكيل : امح ما على (٣) هذا من المال فى هذه السّاعة.
ففعل. ثم إن عفّان دفع له الصّرّة وقال له : رقّع (٤) بهذه حالك. فأخذها وانصرف شاكرا.
وقيل : إنّ الحافظ الفاطمىّ رأى فى المنام قائلا يقول له : يا عبد المجيد ، لم لم تزر ابن سليمان؟! فانتبه وهو يظنّ أنه ابن سليمان بن داود ، ففسّر له بأنه عفّان هذا. فركب وجاء إلى تربته ، ودعا عنده من الشباك.
__________________
(١) فى «م» و «ص» : «فيهم».
(٢) «عليها» عن «ص». وجبا : جمع.
(٣) فى «م» : «ما كان» مكان حرف الجر «على».
(٤) أى : أصلح.