هو الإبل لأنها وسيلة الأسفار قال تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا) ذرياتهم (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) [يس : ٤١ ، ٤٢] وقد قالوا : الإبل سفائن البر.
وجيء بفعل (جَعَلَ) مراعاة لأن الفلك مصنوعة وليست مخلوقة ، والأنعام قد عرف أنها مخلوقة لشمول قوله : (خَلَقَ الْأَزْواجَ) إياها. ومعنى جعل الله الفلك والأنعام مركوبة : أنه خلق في الإنسان قوة التفكير التي ينساق بها إلى استعمال الموجودات في نفعه فاحتال كيف يصنع الفلك ويركب فيها واحتال كيف يروض الأنعام ويركبها.
وقدم الفلك على الأنعام لأنها لم يشملها لفظ الأزواج فذكرها ذكر نعمة أخرى ولو ذكر الأنعام لكان ذكره عقب الأزواج بمنزلة الإعادة. فلما ذكر الفلك بعنوان كونها مركوبا عطف عليها الأنعام فصار ذكر الأنعام مترقبا للنفس لمناسبة جديدة ، وهذا كقول امرئ القيس :
كأني لم أركب جوادا للذة |
|
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال |
ولم أسبإ الراح الكميت ولم أقل |
|
لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال |
إذ أعقب ذكر ركوب الجواد بذكر تبطّن الكاعب للمناسبة ، ولم يعقبه بقوله : ولم أقل لخيلي كري كرة ، لاختلاف حال الركوبين : ركوب اللّذة وركوب الحرب.
والركوب حقيقته : اعتلاء الدابّة للسير ، وأطلق على الحصول في الفلك لتشبيههم الفلك بالدابّة بجامع السير فركوب الدابة يتعدّى بنفسه وركوب الفلك يتعدّى ب (في) للفرق بين الأصيل واللاحق ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) في سورة هود [٤١].
و (مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ) بيان لإبهام (ما) الموصولة في قوله : (ما تَرْكَبُونَ). وحذف عائد الصلة لأنه متصل منصوب ، وحذف مثله كثير في الكلام. وإذ قد كان مفعول (تَرْكَبُونَ) هنا مبيّنا بالفلك والأنعام كان حق الفعل أن يعدى إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر ب (في) فغلّبت التعدية المباشرة على التعدية بواسطة الحرف لظهور المراد ، وحذف العائد بناء على ذلك التغليب. واستعمال فعل (تَرْكَبُونَ) هنا من استعمال اللّفظ في حقيقته ومجازه.
والاستواء الاعتلاء. والظهور : جمع ظهر ، والظهر من علائق الأنعام لا من علائق الفلك ، فهذا أيضا من التغليب. والمعنى : على ظهوره وفي بطونه. فضمير (ظُهُورِهِ) عائد إلى (ما) الموصولة الصادق بالفلك والأنعام كما هو قضية البيان ، على أن السفائن