وهم دائبون على عبادته ، فكأنهم في حضرة الله ، وهذا كقوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) [الأنبياء : ١٩] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأعراف : ٢٠٦] ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «تحاجّ آدم وموسى عند الله عزوجل»
الحديث ، فالعندية مجاز والقرينة هي شأن من أضيف إليه عند.
وقرأ الباقون (عِبادُ الرَّحْمنِ) بعين وموحدة بعدها ألف ثم دال مضمومة على معنى: الذين هم عباد مكرمون ، فالإضافة إلى اسم الرحمن تفيد تشريفهم قال تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] والعبودية عبودية خاصة وهي عبودية القرب كقوله تعالى : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) [القمر : ٩].
وجملة (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) معترضة بين جملة (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ) وجملة (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠].
وقرأ نافع وأبو جعفر بهمزتين أولاهما مفتوحة والأخرى مضمومة وسكون شين (أَشَهِدُوا) مبنيا للنائب وكيفية أداء الهمزتين يجري على حكم الهمزتين في قراءة نافع ، وعلى هذه القراءة فالهمزة للاستفهام وهو للإنكار والتوبيخ. وجيء بصيغة النائب عن الفاعل دون صيغة الفاعل لأن الفاعل معلوم أنه الله تعالى لأن العالم العلوي الذي كان فيه خلق الملائكة لا يحضره إلا من أمر الله بحضوره ، ألا ترى إلى ما ورد في حديث الإسراء من قول كلّ ملك موكّل بباب من أبواب السماوات لجبريل حين يستفتح» من أنت؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك؟ قال : محمد قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قال : مرحبا ونعم المجيء جاء وفتح له».
والمعنى : أأشهدهم الله خلق الملائكة وكقوله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الكهف : ٥١].
وقرأه الباقون بهمزة مفتوحة فشين مفتوحة بصيغة الفعل ، فالهمزة لاستفهام الإنكار دخلت على فعل شهد ، أي ما حضروا خلق الملائكة على نحو قوله تعالى : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) [الصافات : ١٥٠].
وجملة (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) بدل اشتمال من جملة (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) لأن ذلك الإنكار يشتمل على الوعيد. وهذا خبر مستعمل في التوعد. وكتابة الشهادة كناية عن تحقق العقاب على كذبهم كما تقدم آنفا في قوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)