(وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) في سورة النساء [٤١] وفي مواضع أخرى.
والمراد بآبائهم آباؤهم الذين سنّوا عبادة الأصنام مثل عمرو بن لحيّ والذين عبدوها من بعده. وتمتيع آبائهم تمهيد لتمتيع هؤلاء ، ولذلك كانت غاية التمتيع مجيء الرّسول فإن مجيئه لهؤلاء. والتمتيع هنا التمتيع بالإمهال وعدم الاستئصال كما تدلّ عليه الغاية في قوله : (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ).
والمراد ب (الْحَقُ) القرآن كما يدل عليه قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ) [الزخرف : ٣٠] وقوله : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] وهذه الآية ثناء راجع على القرآن متصل بالثناء عليه الذي افتتحت به السورة.
فإنه لما جاء القرآن على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم انتهى التمتيع وأخذوا بالعذاب تدريجا إلى أن كان عذاب يوم بدر ويوم حنين ، وهدى الله للإسلام من بقي يوم فتح مكة وأيام الوفود. وهذا في معنى قوله تعالى : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) في سورة هود [٤٨].
والحق الذي جاءهم هو : القرآن ، والرّسول المبين : محمد صلىاللهعليهوسلم ووصفه ب (مُبِينٌ) لأنه أوضح الهدى ونصب الأدلة وجاء بأفصح كلام. فالإبانة راجعة إلى معاني دينه وألفاظ كتابه. والحكمة في ذلك أن الله أراد أن يشرف هذا الفريق من عقب إبراهيم بالانتشال من أوحال الشرك والضلال إلى مناهج الإيمان والإسلام واتباع أفضل الرّسل وأفضل الشرائع ، فيجبر لأمّة من عقب إبراهيم ما فرطوا فيه من الاقتداء بأبيهم حتى يكمل لدعوته شرف الاستجابة.
والمقصود من هذا زيادة الإمهال لهم لعلهم يتذكرون كما قال تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) [الأنعام : ١٥٥ ـ ١٥٧].
ويستروح من قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) إلى قوله : (وَآباءَهُمْ) [الزخرف : ٢٨ ، ٢٩] أنّ آباء النبي صلىاللهعليهوسلم في عمود نسبه لم يكونوا مضمرين الشرك وأنهم بعض من عقب إبراهيم الذين بقيت كلمته فيهم ولم يجهروا بمخالفة قومهم اتقاء الفتنة. ولا