الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٦] والبطشة هي بطشة بدر.
وجملة (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) جواب الشرط ، واقترن بالفاء لأنه جملة اسمية ، وإنما صيغ كذلك للدلالة على ثبات الانتقام ودوامه ، وأما جملة (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) فهي دليل جواب جملة (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) المعطوفة على جملة الشرط لأن اقتدار الله عليهم لا يناسب أن يكون معلّقا على إراءته الرّسول صلىاللهعليهوسلم الانتقام منهم ، فالجواب محذوف لا محالة لقصد التهويل. وتقديره : أو إمّا نرينّك الذي وعدناهم ، وهو الانتقام تر انتقاما لا يفلتون منه فإنا عليهم مقتدرون ، أي مقتدرون الآن فاسم الفاعل مستعمل في زمان الحال وهو حقيقته.
ولا يستقيم أن تكون جملة (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) دليلا على الجواب المحذوف لأنه يصيّر : أو إما نرينّك الانتقام منهم فإنا منهم منتقمون. وتقديم المجرورين (مِنْهُمْ) و (عَلَيْهِمْ) على متعلقيهما للاهتمام بهم في التمكن بالانتقام والاقتدار عليهم.
والوعد هنا بمعنى الوعيد بقرينة قوله قبله (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) فإنّ الوعد إذا ذكر مفعوله صحّ إطلاقه على الخير والشر ، وإذا لم يذكر مفعوله انصرف للخير وأما الوعيد فهو للشر دائما.
والاقتدار : شدة القدرة ، واقتدر أبلغ من قدر. وقد غفل صاحب «القاموس» عن التنبيه عليه. وقد اشتمل هذان الشرطان وجواباهما على خمسة مؤكدات وهي (ما) الزائدة ، ونون التوكيد ، وحرف (إنّ) للتوكيد ، والجملة الاسمية ، وتقديم المعمول على (مُنْتَقِمُونَ).
وفائدة الترديد في هذا الشرط تعميم الحالين حال حياة النبي صلىاللهعليهوسلم وحال وفاته. والمقصود : وقت ذينك الحالين لأن المقصود توقيت الانتقام منهم.
والمعنى : أننا منتقمون منهم في الدّنيا سواء كنت حيّا أو بعد موتك ، أي فالانتقام منهم من شأننا وليس من شأنك لأنه من أجل إعراضهم عن أمرنا وديننا ، ولعله لدفع استبطاء النبي صلىاللهعليهوسلم أو المسلمين تأخير الانتقام من المشركين ولأن المشركين كانوا يتربصون بالنبيء الموت فيستريحوا من دعوته فأعلمه الله أنه لا يفلتهم من الانتقام على تقدير موته وقد حكى الله عنهم قولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠] ففي هذا الوعيد إلقاء الرعب في قلوبهم لما يسمعونه.