واستغنت عن الواو لأن (إِلَّا) كافية في الربط. والمعنى : أنهم يستخفّون بالآيات التي جاء بها موسى في حال أنّها آيات كبيرة عظيمة فإنما يستخفّون بها لمكابرتهم وعنادهم.
وصوغ (نُرِيهِمْ) بصيغة المضارع لاستحضار الحالة. ومعنى (هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) يحتمل أن يراد به أن كل آية تأتي تكون أعظم من التي قبلها ، فيكون هنالك صفة محذوفة لدلالة المقام ، أي من أختها السابقة ، كقوله تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف : ٧٩] ، أي كل سفينة صحيحة ، وهذا يستلزم أن تكون الآيات مترتبة في العظم بحسب تأخر أوقات ظهورها لأن الإتيان بآية بعد أخرى ناشئ عن عدم الارتداع من الآية السابقة. ويحتمل ما قال صاحب «الكشاف» أن الآيات موصوفات بالكبر لا بكونها متفاوتة فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير ، أي تختلف آراء النّاس في تفضيلها ، فعلى ذلك بنى النّاس كلامهم فقالوا : رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض ، وربّما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك ، ومنه بيت الحماسة (١) :
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم |
|
مثل النجوم التي يسري بها الساري |
وقد فاضلت الأنماريّة (٢) بين الكملة من بنيها ثم قالت لمّا أبصرت مراتبهم متقاربة قليلة التفاوت : ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل ، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها. فالمعنى : وما نريهم من آية إلّا وهي آية جليلة الدلالة على صدق الرّسولصلىاللهعليهوسلم تكاد تنسيهم الآية الأخرى. والأخت مستعارة للمماثلة في كونها آية.
وعطف (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) على جملة (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) لأن العذاب كان من الآيات.
والعذاب : عذاب الدنيا ، وهو ما يؤلم ويشق ، وذلك القحط والقمّل والطوفان والضفادع والدم في الماء.
والأخذ بمعنى : الإصابة. والباء في (بِالْعَذابِ) للاستعانة كما تقول : خذ الكتاب بقوة ، أي ابتدأناهم بالعذاب قبل الاستئصال لعل ذلك يفيقهم من غفلتهم ، وفي هذا
__________________
(١) قائله هو العرندس الكلابي أو عبيد بن العرندس من أبيات.
(٢) الأنمارية هي فاطمة بنت الخرشب الأنمارية أم الكملة من بني عبس وهم أبناء زياد : ربيع وعمارة وقيس وأنس. ولهم ألقاب : الكامل ، والحافظ ، والوهاب ، وأنس الفوارس.