حصل من دعوته بكشف العذاب وليحسبوا أن ارتفاع العذاب أمر اتفاقي إذ قومه لم يطلعوا على ما دار بينه وبين موسى من سؤال كشف العذاب.
والنداء : رفع الصوت ، وإسناده إلى فرعون مجاز عقلي ، لأنه الذي أمر بالنداء في قومه. وكان يتولى النداء بالأمور المهمة الصادرة عن الملوك والأمراء منادون يعيّنون لذلك وربما نادوا في الأمور التي يراد علم الناس بها. ومن ذلك ما حكي في قوله تعالى في سورة يوسف [٧٠] (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) وقوله تعالى : (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) [الشعراء : ٥٣ ـ ٥٥].
ووقع في المقامة الثلاثين للحريري : «فلما جلس كأنه ابن ماء السماء ، نادى مناد من قبل الأحماء ، وحرمة ساسان أستاذ الأستاذين ، وقدوة الشحّاذين ، لا عقد هذا العقد المبجّل ، في هذا اليوم الأغرّ المحجّل ، إلا الذي جال وجاب ، وشبّ في الكدية وشاب». فذلك نداء لإعلان العقد.
وجملة (قالَ) إلخ مبيّنة لجملة (نادى) ، والمجاز العقلي في (قالَ) مثل الذي في (وَنادى فِرْعَوْنُ).
وفرعون المحكي عنه في هذه القصة هو منفطاح الثاني.
فالأنهار : فروع النيل وترعه ، لأنها لعظمها جعل كل واحد منها مثل نهر فجمعت على أنهار وإنما هي لنهر واحد هو النيل. فإن كان مقر ملك فرعون هذا في مدينة منفيس فاسم الإشارة في قوله : (وَهذِهِ الْأَنْهارُ) إشارة إلى تفاريع النيل التي تبتدئ قرب القاهرة فيتفرع النيل بها إلى فرعين عظيمين فرع دمياط وفرع رشيد ، وتعرف بالدّلتا. وأحسب أنه الذي كان يدعى فرع تنيس لأن تنيس كانت في تلك الجهة وغمرها البحر ، وله تفاريع أخرى صغيرة يسمى كل واحد منها ترعة ، مثل ترعة الإسماعيلية ، وهنالك تفاريع أخرى تدعى الرياح. وإن كان مقر ملكه طيبة التي هي بقرب مدينة آبو اليوم فالإشارة إلى جداول النيل وفروعه المشهورة بين أهل المدينة كأنها مشاهدة لعيونهم.
ومعنى قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) يحتمل أن يكون ادّعى أنّ النيل يجري بأمره ، فيكون (مِنْ تَحْتِي) كناية عن التسخير كقوله تعالى : (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) [التحريم : ١٠] أي كانتا في عصمتهما. ويقول النّاس : دخلت البلدة الفلانية تحت الملك فلان ، ويحتمل أنه أراد أن النيل يجري في مملكته من بلاد أصوان إلى البحر