جملة (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ). وحكي نداؤهم بصيغة الماضي مع أنه مما سيقع يوم القيامة ، إما لأن إبلاسهم في عذاب جهنم وهو اليأس يكون بعد أن نادوا يا مالك وأجابهم بما أجاب به ، وذلك إذا جعلت جملة (وَنادَوْا) حالية ، وإمّا لتنزيل الفعل المستقبل منزلة الماضي في تحقيق وقوعه تخريجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر نحو قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [النمل : ٨٧] (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [الزمر : ٦٨] وهذا إن كانت جملة (وَنادَوْا) إلخ معطوفة.
و (مالك) المنادى اسم الملك الموكّل بجهنم خاطبوه ليرفع دعوتهم إلى الله تعالى شفاعة.
واللام في (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) لام الأمر بمعنى الدعاء. وتوجيه الأمر إلى الغائب لا يكون إلا على معنى التبليغ كما هنا ، أو تنزيل الحاضر منزلة الغائب لاعتبار ما مثل التعظيم في نحو قول الوزير للخليفة : لير الخليفة رأيه.
والقضاء بمعنى : الإماتة كقوله : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) [القصص : ١٥] ، سألوا الله أن يزيل عنهم الحياة ليستريحوا من إحساس العذاب. وهم إنما سألوا الله أن يميتهم فأجيبوا بأنهم ماكثون جوابا جامعا لنفي الإماتة ونفي الخروج فهو جواب قاطع لما قد يسألونه من بعد.
ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما روي أن ابن مسعود قرأ (ونادوا يا مال) بحذف الكاف على الترخيم ، فذكرت قراءته لابن عباس فقال : ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم ، قال في «الكشاف» : وعن بعضهم : حسّن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه ا ه. وأراد ببعضهم ابن جني فيما ذكره الطّيبي أن ابن جنّي قال : وللترخيم في هذا الموضع سرّ وذلك أنهم لعظم ما هم عليه ضعفت وذلّت أنفسهم وصغر كلامهم فكان هذا من مواضع الاختصار. وفي «صحيح البخاري» عن يعلى بن أمية سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ على المنبر (وَنادَوْا يا مالِكُ) بإثبات الكاف. قال ابن عطية : وقراءة (ونادوا يا مال) رواها أبو الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم فيكون النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ بالوجهين وتواترت قراءة إثبات الكاف وبقيت الأخرى مروية بالآحاد فلم تكن قرآنا.
وجملة (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) إلى آخرها في موضع العلة لجملة (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) باعتبار تمام الجملة وهو الاستدراك بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).