رَبِ) وبقرينة أنه قال : (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) وبقرينة إجابته بقوله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) [الزخرف : ٨٩] ، والأولى أن يكون ضمير الغائب التفاتا عن الخطاب في قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ) [الزخرف : ٨٧] ، فإنه بعد ما مضى من المحاجّة ومن حكاية إقرارهم بأن الله الذي خلقهم ، ثم إنهم لم يتزحزحوا عن الكفر قيد أنملة ، حصل اليأس للرسول من إيمانهم فقال : (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) التجاء إلى الله فيهم وتفويضا إليه ليجري حكمه عليهم.
وهذا من استعمال الخبر في التحسر أو الشكاية وهو خبر بمعنى الإنشاء مثل قوله تعالى : (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان : ٣٠] ، أي لم يعملوا به فلم يؤمنوا ، ويؤيّد هذا تفريع (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) [الزخرف : ٨٩] ، ففي ضمير الغيبة التفات لأن الكلام كان جاريا على أسلوب الخطاب من قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ) [الزخرف : ٨٧] فمقتضى الظاهر : وقولك : يا ربّ إلخ. ويحسّن هذا الالتفات أنه حكاية لشيء في نفس الرّسول فجعل الرسول بمنزلة الغائب لإظهار أن الله لا يهمل نداءه وشكواه على حدّ قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) [عبس : ١]. وإضافة القيل إلى ضمير الرسول مشعرة بأنه تكرر منه وعرف به عند ربّه ، أي عرف بهذا وبما في معناه من نحو (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) وقوله : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤].
وقرأ الجمهور (وَقِيلِهِ) بنصب اللام على اعتبار أنه مصدر نصب على أنه مفعول مطلق بدل من فعله.
والتقدير : وقال الرسول قيله ، والجملة معطوفة على جملة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ) [الزخرف : ٨٧] أو على جملة (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [الزخرف : ٨٧] ، أي وقال الرسول حينئذ يا ربّ إلخ. ونظيره قول كعب بن زهير :
تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم |
|
إنك يا بن أبي سلمى لمقتول |
على رواية (قيلهم) ونصبه ، أي ويقولون : قيلهم وهي رواية الأصمعي.
ويجوز أن يكون النصب على المفعول به لقوله : (لا نَسْمَعُ) [الزخرف : ٨٠] ، والتقدير : بلى ونعلم قيله وهذا اختيار الفراء والأخفش ، وقال المبرد والزجاج : هو منصوب بفعل مقدر دل عليه قوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [الزخرف : ٨٥] أي ويعلم قيله.
وقرأ عاصم وحمزة بجرّ لام (قيله) ويجوز في جرّه وجهان :