وهي ثمانية أيام كما جاء في قوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] ، فالمراد : أن تلك الأيام بخصوصها كانت نحسا وأن نحسها عليهم دون غيرهم من أهل الأرض لأن عادا هم المقصودون بالعذاب. وليس المراد أن تلك الأيام من كل عام هي أيام نحس على البشر لأن ذلك لا يستقيم لاقتضائه أن تكون جميع الأمم حلّ بها سوء في تلك الأيام. ووصفت تلك الأيام بأنها (نَحِساتٍ) لأنها لم يحدث فيها إلا السوء لهم من إصابة آلام الهشم المحقق إفضاؤه إلى الموت ، ومشاهدة الأموات من ذويهم ، وموت أنعامهم ، واقتلاع نخيلهم.
وقد اخترع أهل القصص تسمية أيام ثمانية نصفها آخر شهر (شباط) ونصفها شهر (آذار) تكثر فيها الرياح غالبا دعوها أيام الحسوم ثم ركبوا على ذلك أنها الموصوفة بحسوم في قوله تعالى في سورة الحاقة [٧] (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) ، فزعموا أنها الأيام الموافقة لأيام الريح التي أصابت عادا ، ثم ركّبوا على ذلك أنها أيام نحس من كل عام وكذبوا على بعض السلف مثل ابن عباس أكاذيب في ذلك وذلك ضغث على إبالة ، وتفنن في أوهام الضلالة.
وجمع (نَحِساتٍ) بالألف والتاء لأنه صفة لجمع غير العاقل وهو (أَيَّامٍ).
واللام في (لِنُذِيقَهُمْ) للتعليل وهي متعلقة ب (أرسلنا). والإذاقة تخييل لمكنية ، شبه العذاب بطعام هيّئ لهم على وجه التهكم كما سمّى عمرو بن كلثوم الغارة قرى في قوله :
قريناكم فعجّلنا قراكم |
|
قبيل الصّبح مرداة طحونا |
والإذاقة : تخييل من ملائمات الطعام المشبه به.
والخزي : الذلّ. وإضافة (عَذابَ) إلى (الْخِزْيِ) من إضافة الموصوف إلى الصفة بدليل مقابلته بقوله : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) ، أي أشد إخزاء من إخزاء عذاب الدنيا ، وذلك باعتبار أن الخزي وصف للعذاب من باب الوصف بالمصدر أو اسم المصدر للمبالغة في كون ذلك العذاب مخزيا للذي يعذب به. ومعنى كون العذاب مخزيا : أنه سبب خزي فوصف العذاب بأنه خزي بمعنى مخز من باب المجاز العقلي ، ويقدر قبل الإضافة : لنذيقهم عذابا خزيا ، أي مخزيا ، فلما أريدت إضافة الموصوف إلى صفته قيل : (عَذابَ الْخِزْيِ) ، للمبالغة أيضا لأن إضافة الموصوف إلى الصفة مبالغة في الاتصاف حتى جعلت الصفة بمنزلة شخص آخر يضاف إليه الموصوف وهو قريب من محسّن التجريد