والمعجزة : حجة عظيمة ولذلك وصف السلطان ب (مُبِينٍ) ، أي واضح الدلالة لا ريب فيه. وهذه المعجزة هي انقلاب عصاه ثعبانا مبينا.
و (آتِيكُمْ) مضارع أو اسم فاعل (أتى). وعلى الاحتمالين فهو مقتض للإتيان بالحجّة في الحال.
وجملة (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي) عطف على جملة (أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) ، فإن مضمون هذه الجملة مما شمله كلامه حين تبليغ رسالته فكان داخلا في مجمل معنى (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) المفسر بما بعد (أَنْ) التفسيرية. ومعناه : تحذيرهم من أن يرجموه لأن معنى (عُذْتُ بِرَبِّي) جعلت ربي عوذا ، أي ملجأ. والكلام على الاستعارة بتشبيه التذكير بخوف الله الذي يمنعهم من الاعتداء عليه بالالتجاء إلى حصن أو معقل بجامع السلامة من الاعتداء. ومثل هذا التركيب ممّا جرى مجرى المثل ، ومنه قوله في سورة مريم [١٨] (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) ، وقال أحد رجّاز العرب :
قالت وفيها حيدة وذعر |
|
عوذ بربي منكم وحجر |
والتعبير عن الله تعالى بوصف (بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) لأنه أدخل في ارعوائهم من رجمه حين يتذكرون أنه استعصم بالله الذي يشتركون في مربوبيته وأنهم لا يخرجون عن قدرته.
والرجم : الرمي بالحجارة تباعا حتى يموت المرمي أو يثخنه الجراح. والقصد منه تحقير المقتول لأنهم كانوا يرمون بالحجارة من يطردونه ، قال : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [الحجر : ٣٤].
وإنّما استعاذ موسى منه لأنه علم أن عادتهم عقاب من يخالف دينهم بالقتل رميا بالحجارة. وجاء في سورة القصص [٣٣] (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ). ومعنى ذلك إن لم تؤمنوا بما جئت به فلا تقتلوني ، كما دل عليه تعقيبه بقوله : (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي).
والمعنى : إن لم تؤمنوا بالمعجزة التي آتيكم بها فلا ترجموني فإني أعوذ بالله من أن ترجموني ولكن اعتزلوني فكونوا غير موالين لي وأكون مع قرمي بني إسرائيل ، فالتقدير : فاعتزلوني وأعتزلكم لأن الاعتزال لا يتحقق إلا من جانبين.
وجيء في شرط (إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) بحرف (إِنْ) التي شأنها أن تستعمل في الشرط غير المتيقّن لأن عدم الإيمان به بعد دلالة المعجزة على صدقه من شأنه أن يكون غير واقع فيفرض عدمه كما يفرض المحال. ولعله قال ذلك قبل أن يعلمه الله بإخراج بني