كما مشى عليه الجمهور وهو ظاهر قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) [الانفطار : ٩ ـ ١٢] فهذا صنف من الملائكة موكّل بحفظ المؤمنين في الدنيا ، وهم غير الحفظة ، وقد يكون هذا الصنف من الملائكة هو المسمى بالمعقبات في قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) حسب ما تقدم في سورة الرعد [١١].
وقد دلت عدة آثار متفاوتة في القبول على أن الملائكة الذين لهم علاقة بالناس عموما أو بالمؤمنين خاصة أصناف كثيرة. وعن عثمان «أنه سأل النبي صلىاللهعليهوسلم : كم من ملك على الإنسان ، فذكر له عشرين ملكا». ولعل وصف الملائكة المتنزلين بأنهم أولياء يقتضي أن عملهم مع المؤمن عمل صلاح وتأييد مثل إلهام الطاعات ومحاربة الشياطين ونحو ذلك ، وبذلك تتم مقابلة تنزلهم على المؤمنين بذكر تقييض القرناء للكافرين ، وهذا أحسن.
وجملة (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) عطف على (الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وما بينهما جملة معترضة كما بينته آنفا.
ومعنى (ما تَدَّعُونَ) : ما تتمنون. يقال : ادّعى ، أي تمنى ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) في سورة يس [٥٧]. والمعنى : لكم فيها ما تشتهونه مما يقع تحت الحسّ وما تتمنونه في نفوسكم من كل ما يخطر بالبال مما يجول في الخيال ، فما يدّعون غير ما تشتهيه أنفسهم.
ولهذه المغايرة أعيد (لَكُمْ) ليؤذن باستقلال هذا الوعد عن سابقه ، فلا يتوهم أن العطف عطف تفسير أو عطف عام على خاص.
والنزل بضم النون وضم الزاي : ما يهيّأ للضيف من القرى ، وهو مشتق من النزول لأنه كرامة النزيل ، وهو هنا مستعار لما يعطونه من الرغائب سواء كانت رزقا أم غيره. ووجه الشبه سرعة إحضاره كأنه مهيّأ من قبل أن يشتهوه أو يتمنوه.
و (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) صفة (نُزُلاً) ، و (مِنْ) ابتدائية.
وانتصب (نُزُلاً) على الحال من (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ). و (ما تَدَّعُونَ) حال كونه كالنزل المهيّأ للضيف ، أي تعطونه كما يعطى النزل للضيف.
وأوثرت صفتا (الغفور الرحيم) هنا للإشارة إلى أن الله غفر لهم أو لأكثرهم اللمم وما تابوا منه ، وأنه رحيم بهم لأنهم كانوا يحبونه ويخافونه ويناصرون دينه.