وهذا هو سبب عدم وجود رواية واحدة عن أي صحابي يكفر فيها من أنكر نص القرآن ، وكيف لا ؟! ومنهم من جاهر بوقوع التحريف في القرآن كعمر وعائشة وابن عباس وابن مسعود ؟! ، بل إن ابن مسعود نفسه قد وقع أمامه تكذيب رجل لكتاب الله عزّ وجلّ فما كفره ولا حكم بارتداده ، وإنما أقام عليه الحد ؛ لأنه شرب المسكر ولم يقل له : يا كافر . لم كذبت القرآن ؟! ، قال في نيل الأوطار :
وعن علقمة قال : كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف ، فقال رجل : ما هكذا أنزلت ؟! فقال عبد الله : والله لقرأتها على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال : أحسنت . فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر ، فقال : أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب ؟! فضربه الحد . متفق عليه (١) .
فلو أن حكم الكفر والارتداد لمن أنكر حرفا من القرآن كان واضحا ومعلوما عند الصحابة لما تركه ابن مسعود دون أن يحكم بارتداده وكفره ، فما بالك بمن لم ينكر القرآن الثابت وإنما أنكر كون المصحف المجموع قد حوى كل آيات القرآن ؟ فهذا لا يحكم الصحابة بكفره بالأولوية ، مع العلم أن وجوه الصحابة قد قالوا وجاهروا به أيضا كما مر أيضا ، وعليه يتضح أن إطلاق الكفر على كل من أنكر حرفا من القرآن لم يكن موجودا بين الصحابة ، فضلا عمن أنكر شمول المصحف لكل القرآن .
___________
(١) نيل الأوطار ٧ : ٣٢٧ ، مصنف عبد الرزاق ٩ : ٢٣١ ، ح ١٧٠٤١ ، المعجم الكبير ٩ : ٣٤٤ ح ٩٧١٢ ، ح ٩٧١٣ .