أمّا الآية الثالثة ، فبعد أن أشارت إلى يوم القيامة قالت : (وَعَنَتِ الوُجُوُهُ لِلْحَىّ اْلقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً).
«عَنت» : من مادّة (عَنْوة) وقد وردت بمعنى الخضوع والذلة ، لذلك يُطلق على الأسير «عاني» ، لأنّه ذليل وخاضع بيد الآسِر.
وقد نُسب الخضوع والذل هنا للوجوه ، لأنّ الوجه أشرف عضو في الإنسان ، علاوة على أَنّ ردود الفعل النفسيّة ومن جملتها الخضوع تظهر على وجه الإنسان قبل كلّ شيء.
والتأكيد على صفتي (الحي) و (القيوم) في مسائل عالم الآخرة يُعَدُّ إشارةً لطيفةً إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ حياة الله تعالى الخالدة وقيمومته الشاملة ستظهر وتتجلّى في ذلك اليوم بصورة أفضل ، وسيتجلّى أيضاً ضعف الإنسان وعجزه واحتياجه للذات الإلهيّة المقدّسة بصورة أوضح. لأنّ جميع الناس قد بُعثوا بعد موتهم وقد يظهر عليهم العجز والضعف والحاجة إلى لطف الله تعالى في تلك المحكمة الإلهيّة العظيمة.
* * *
وأمّا الآية الرابعة فقد وصفت الباري سبحانه وتعالى بالوجود الحي الذي لا يموت أبداً ، وأمرت الرسول بالتوكُّل عليه حيث قالت : (وَتَوَكّلْ عَلَى الحَىِّ الَّذِى لَايَمُوتُ).
وبديهي أنّ الإنسان المؤمن بامتلاكه لهذا الأساس المتين سوف لا يخشى من أي أحد ، ولا يهاب ، أو يستوحش من أي حادثة.
يتّضح هُنا أنّ هذه الآية مع أنّها تبيّن أصلاً عقائدياً ، فهي ذات مردودات أخلاقية وعمليّة في نفس الوقت ، وتقوّي أُسس التوكُّل في روح الإنسان وقلبه.
* * *
وفي الآية الخامسة والأخيرة نلاحظ انعكاس نفس هذا المعنى والمفهوم بمردودات عمليّة وأخلاقيّة أُخرى ، قال تعالى : (هُوَ الْحَيُّ لَاإِلَهَ إِلّا هُوَ) ، ولأنّه كذلك (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).