الجهل عنه ، وعندما نقول بأنّه قادر فإننان نفهم منه نزاهته عن العجز ، أمّا ماهيّة علم الله وقدرته فإننا لا نفهم عنها شيئاً على الاطلاق ، وهذه العقيدة تُدعى بعقيدة التعطيل (أي تعطيل معرفة الصفات).
ومن جهةٍ اخرى فقد غار آخرون في دوّامة التشبيه لدرجة بحيث لم يكتفوا فقط بوصف الله تعالى بصفات الماهيّات الممكنة فقط ، بل جسّموه وذكروا له يداً ورجلاً ووجهاً وما شاكل ذلك ، فقد أوجدوا في مخيّلتهم إلهاً كالإنسان بالضبط بجميع صفاته الظاهريّة والباطنية ، إلهاً يمكن رؤيته ومشاهدته ، وله مكان محدود وتعترضه حالات مختلفة! وبهذا فقد تورّطوا بأتعس أنواع الشرك.
ومن أجلِ أن نعلم إلى أيَّة درجةٍ سقطت هذه الجماعة في هاوية الكفر والشرك ، يكفي أن نسمع المقالة المعروفة للمحقق الدوّاني بخصوص المشبّهة ، حيث قال :
«اعتقد جماعة منهم بأنّ لله جسماً حقّاً ، وهؤلاء بذاتهم ينقسمون إلى عدّة فئات ، فئة تقول : إنّ جسمه مركّبٌ من لحمٍ ودم ، وقالت فئة : بأنّه ـ تعالى ـ نور لامع كسبيكة الفضة البيضاء! وطول قامته سبعة أشبار من أشباره!.
وقالت جماعة اخرى : بأنّه يشبه الإنسان ، وهم ينقسمون إلى عدّة فئات ، فئة اعتقدت بأنّه فتىً في ريعان شبابه لم ينبت الشعر في وجهه بعد ، وشعر رأسه مجعّدٌ قصير : والفئة الاخرى اعتقدت بأنّه رجلٌ كهلٌ ذو لحية بيضاء سوداء وغيرها من قبيل هذه الخرافات» (١).
وممّا يُفهم من الآيات القرآنية ، فإنّ كلا المعتقدين ـ التعطيل والتشبيه ـ باطلان ، لأنّ القرآن دعا الناس إلى معرفة الله من جهة ، وعرّف ذاته وصفاته المقدّسة في العديد من الآيات الشريفة ممّا يدلّ على إمكانية معرفة الله الإجمالية وبطلان معُتقد التعطيل.
ومن جهةٍ اخرى فقد نزّه القرآن الذات المقدّسة من أي شبيه ومثل ونظير وكُفء ، ممّا يدلّ على بطلان مُعتقد التشبيه.
وعليه فالحق هو ذلك الطريق الدقيق الواقع بين هذين الأثنين. والذي يقول : بأنّ معرفة
__________________
(١) بحار الانوار ، ج ٣ ، ص ٢٨٩.