وبما أنّ كلّ إفراطٍ يتبعه تفريط ، فقد ظهر في مقابل هؤلاء جماعة احترزوا عن التشبيه إلى درجة أنّهم كانوا يقولون : إذا حرّك أحد يديه أثناء قراءة آية (خَلَقْتُ بِيَديَّ) وجب قطع يديه! أو إذا أشار باصبعيه عند قراءة هذه الرواية الواردة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «قلبُ المؤمن بين إصبعَين من أصابع الرحمن». وجب قطع كلا إصبعيه»! (١).
وعلى أيّة حال يظهر أنّ هذه العقائد السخيفة الركيكة بخصوص جسميّة الله تعالى تنبع من أحد أمرين :
الأول : الأنس المفرط بعالم المادّة والمحسوسات ، الأنس المصحوب بالسّذاجة والجهل الذي لا يسمح للأنسان تقبَّل شيء غير المادّة ، الأنس الذي يؤدّي إلى مقايسة الله عزوجل بالانسان وصفاته.
الثاني : التعابير الكنائية والمجازيّة الملحوظة في القرآن الكريم والروايات الإسلامية ، حيث يمكن أن يتوهّم السُّذَّج منها الجسميّة.
ولكن بالإلتفات إلى نقطة واحدة يتّضح بأنّ قبول فكرة الجسميّة بالنسبة لله تعالى يُساوي نفي إلوهيته ، ونفي وجوب وجوده ، لأنّ كُلّ جسمٍ يتشكل من أجزاء ، ولابدّ له من لزوم المكان والزمان ، وكونه معرضاً للحوادث والتغيُّرات ويتجه دائماً نحو الهلاك والفناء ، وتكفي كل واحدةٍ من هذه الصفات لنفي إلوهية الله ووجوب وجوده.
مضافاً إلى ذلك أنّه لو كان جسماً لكان له شبيه ومثيل ، ونحن نعلم أنّ آيات متعددة من القرآن الكريم نفت عن الله تعالى أى شبيهٍ أو مثيل.
ونختم هذا الكلام بحديثٍ منقول عن الإمام الكاظم عليهالسلام : «ذكر عنده قوم زعموا أنّ الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا؟ فقال : إنّ الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنّما منظره في القرب والبعد سواء) .... ، ولم يحتج إلى شيء بل يُحتاج إليه ، أمّا قول الواصفين : إنّه ينزل تبارك وتعالى عن ذلك فإنّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ، وكل متحرك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرك به فمن ظن بالله الظنون فقد هلك وأهلك ، فاحذروا في
__________________
(١) الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٩٧.