لأنّ التواجد في كل مكان إمّا يعني امتلاك الموجود أبعاداً واسعةً وأجزاءً كثيرة تملأ المكان ، وكل جُزءٍ منه موجود في جهة معينة ، ونحن نعلم باستحالة هذا المعنى بالنسبة إلى الله تعالى ، لأنّه سبحانه ليس له أجزاء ، وقول القرآن : (هو معكم) لايعني أنّ جزءاً من وجود الله تعالى هناك (فتأمل جيداً).
أو يعني عدم إحاطة المكان به ، أي هو فوق الزمان المكان ، وطبعاً مثل هذا الوجود تتساوى فيه جميع الأمكنة والأزمنة ولا معنى للبعد والقرب عنده.
والملاحظة المهمّة هنا هي أنّ التعبير بعبارة (وجه الله) تعني في القرآن الذات الإلهيّة المقدّسة.
ولكون (الوجه) أشرف أعضاء الإنسان ويحتوي على أهم حواسّه ، فإنّ هذه الكلمة تُستعمل كناية عن (الذات) ، ولكن بعض المفسّرين فسّروها بمعنى الرضا الإلهي ، أو الثواب الإلهي ، أو القبلة ، ولا نعتقد بصحة أيٍّ من هذه المعاني.
* * *
قال تعالى في الآية الثانية ـ ضمن ردّه على المشركين والذين جعلوا له ولداً ، وتنزيه ذاته المقدّسة عن هذه الصفات : (وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِى الأَرضِ إِلهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ).
إنّ إلوهيّة الله تعالى لا تخص جهة معينة ، أو مكاناً خاصاً ، ومساحة إلوهيته وسعت كُلّ مكان ، وبسبب وجوده في كل مكان فهو بكُلّ شيءٍ عليم وخبير ، وأفعاله حكيمة ، بل إنّ هذا التعبير يشير إلى أن (العليم) و (الحكيم) الوحيد في عالم الوجود هو الله سبحانه ، لأنّ علم وحكمة من سواه قاصرة وناقصة ومشوبة بالجهل.
ولكنّ المشركين على مدى التاريخ قالوا : إنّ لكل واحدة من موجودات العالم إلهاً وربّاً : إله السماء ، إله الأرض ، إله البحر ، إله البر ، إله الحرب وإله السلام ، وما شاكل ذلك ، والآية أعلاه تنفي جميع هذه المعتقدات الباطلة ، وتؤكّد على ربوبيّة الله الواحد الأحد على جميع عالم الوجود.