أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرضِ). (المجادلة / ٧)
ولكن من البديهي أنّ إحاطة الله الوجوديّة بكلّ شيء هي عين إحاطته العلمية ، لأنّه وكما أشرنا سابقاً فإن علم الله علم حضوري ، ولازمهُ حضوره عزوجل في كل مكان (فتأمل جيداً).
* * *
نلاحظ نفس هذا المفهوم في الآية الخامسة وبتعبيرٍ جديد ، حيث قال تعالى : (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ وَنَعلَمُ مَاتُوَسوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ).
تُطلق كلمة (وريد) على أي نوعٍ من أنواع عروق البدن ، لكن الكثير من المفسّرين فسّروها بمعنى الوريدين الرئيسين الموجودَين في جانبي الرقبة ، وفسرها جماعة بمعنى الوريد الرئيس المتصل بالقلب.
ولكن عندما نضيف كلمة (حبل) إلى كلمة (وريد) فلا يراد منه الأوردة الصغيرة والعاديّة الموجودة في البدن ، بل يُقصد به أحد الأوردة الكبيرة والمعروفة في البدن ، وقد ورد كلا التفسيرين في تفسير ذيل هذه الآية في كلام المفسّرين وأرباب اللغة (١).
لكن المناسب لهذه الآية هنا ، هو الوريد الرئيس في القلب لأنّه ورد أيضاً في الآية :
من سورة الأنفال : (وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرءِ وَقَلبِهِ). (الأنفال / ٢٤)
وكلا الآيتين كناية عن منتهى قُرب الله تعالى لجميع عباده ، لأننا لو اعتبرنا قلب الإنسان مركز وجوده ، لما كان هنالك شيء أقرب إليه من وريد القلب ، فالقرآن يريد أن يقول : (ونحن أقرب إليه حتّى من هذا أيضاً).
وعلاوةً على هذا فإنّ الآية قد تحدثت في البداية عن علم الله بما توسوس به نفس الإنسان ، ممّا يتناسب مع القلب لا الرقبة.
على أيّة حال ، إنّ هذه المسألة تصوّر عموم المكان لله تعالى بأفضل وجه ، لأنّها تقول :
__________________
(١) التحقيق ، مفردات الراغب ، مجمع البحرين ، لسان العرب ، تفسير الميزان والقرطبي وغيرها.