أمّا الآية الرابعة فقد أشارت إلى مسألة النجوى فقالت : (مَا يَكُونُ مِن نَّجوَى ثَلَاثَةٍ إلّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُم وَلَا أَدنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَينَ مَا كَانُوا).
«النجوى» : في الأصل بمعنى المكان المرتفع المنعزِل عمّا حوله لارتفاعه ، ولكون إذا أراد شخص أن يُسِرَّ شيئاً لصاحبه يأخذه إلى معزل عن الناس. فإنّ كلمة نجوى استُعملت بمعنى الهمس في الأُذن.
يعتقد البعض بوجوب وجود ثلاثة أشخاص أو أكثر لتحقُّق معنى (النجوى) ، وإن كانا إثنين يُطلق على هذا العمل (إ سرار) ، لكن هذه المسألة لم تثبت ، خصوصاً أنّ كلمة نجوى وردت في آيات سورة المجادلة للتعبير عن الذين كانوا يناجون الرسول صلىاللهعليهوآله بصورة انفراديّة.
وللمفسرين بيانات متعددة بسبب ذكر ثلاثة وخمسة أشخاص بالخصوص وعدم ذكر الأربعة التي تقع بين الثلاثة والخمسة ، أقواها هو أنّه لو ذُكرَ الأربعة أشخاص لتكرر العدد (أربعة) في الجملة الأولى والثانية ، وهو ينافي البلاغة والفصاحة (سوى في حالات خاصّة) ، مضافاً إلى ذلك فإنّ قوله تعالى في نهاية الآية : (وَلَا أَدنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكثَرَ) سيشمل مالم يُذكر بين هذين العددين ، وعليه يشملُ ماقبل العدد ثلاثة (أي إثنين) وما بعده (أي أربعة) ، وكذلك الأكثر من الخمسة ، وهذه نقطة اخرى تدلّ على فصاحة هذه الآية ، وعلى أن تعبير (نجوى) يشمل الشخصين أيضاً.
وقال البعض الآخر : إنّ الآية أعلاه تتحدث عن حادثتين قام بها المنافقون اشترك في الاولى ثلاثة أشخاص ، وخمسة أشخاص في الثانية.
وعلى أيّة حال فإنّ المراد من المعيّة (معيّة الله لعباده في نجواهم) هو نفس الإحاطة الوجوديّة المشار إليها في الآية السابقة ، والعجب من بعض المفسّرين الذين أيدوا هذا المفهوم في الآية السابقة ، لكنهم فسّروا المعيّة هنا بمعنى الاحاطة العلميّة ، ولعل ذلك بسبب تحدُّث الآية في البداية عن سعة علم الله وشموله جميع ما في السموات والأرض : (أَلَم تَرَ