يُشير هذا التعبير بوضوح إلى أنّه جلّ وعلا لا مكان له ، أو بتعبير آخر ، هو فوق الزمان والمكان ، ولهذا فهو حاضر في كُلّ مكان وقد أحاط بكُلّ شيءٍ علماً.
قال بعض المفسرّين ـ كما ورد في تفسير (روح المعاني) : يجب تأويل هذه الآية وحملها على المعنى المجازي والقول بأنّ المقصود منها هو : (علمهُ بنا لا ذاته المقدّسة).
وهؤلاء غافلون عن أن علم الله تعالى علم حضوري ، لا كعلمنا الذي يتم عن طريق تصوير الأشياء في الذهن ، والعلم الحضوري معناه حضور كل شيءٍ بين يديه ، وبحضور ذاته في كل مكان فهي تحيط بها جميعاً (١).
وقال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية : كل ممكن فوجوده من الواجب ، فاذن وصول الماهية الممكنة إلى وجودها بواسطة فيض الواجب الحق ذلك الوجود لتلك الماهية فالحق سبحانه هو المتوسط بين كل ماهيه وبين وجودها ، فهو إلى كل ماهية أقرب من وجود تلك الماهية (٢).
وقد ورد في تفسير الميزان أنّ هذه المعيّة نابعة من إحاطته بكم ، فلا تغيبون عنه اينما كنتم ، وفي أيّ زمان عشتم ، وفي أيّ حال فرضتم ، فذكر عموم الامكنة (أيْنَ مَا كنتم) لأنّ الاعرف في مفارقة شيء شيئاً ، وغيبته عنه أن يتوسل إلى ذلك بتغيير المكان ، وإلّا فنسبته تعالى إلى الأمكنة والأزمنة والأحوال سواء (٣).
ولكن من لم يستطيعوا فهم إحاطة الله الوجوديّة بجميع الممكنات بصورة صحيحة ، حملوا هذه الآية على المعنى المجازي فقالوا : إنّ المراد من معيّة الله للموجودات ، هو شمول علمه وقدرته وحاكميته عليهم (٤).
__________________
(١) ورد توضيح أكثر حول علم الله في بحث علم الله في نفس هذا المجلد.
(٢) تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢١٤.
(٣) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ١٦٧.
(٤) تفسير القرطبي ، ج ٩ ، ص ٦٤٠٧ ، ويُلاحظ وجود معنى قريب من هذا التفسير في تفسير روح الجنان ج ١١ ، ص ٣٨ ، وقد نُقلَ أيضاً في تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢١٥ ، عن المتكلمين بأنّ هذه المعيّة إمّا من جهة العلم أو من جهة الحفظ والحراسة.