يقين بأنّ الذي يحاسبهم هو مَنْ لا تخفى عليه ذرّة من أعمال الناس الصالحة والطالحة ، وَأن النسيان لا يجدي نفعاً في محوها ، وسيُنهي تعالى حساب جميع هذه الأعمال يوم القيامة بلمحة بصر ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ اخرى تلقّن الناس درس المحاسبة في جميع أمور الحياة ، ليحسبوا لكل عملٍ وكل شيءٍ وكل أمرٍ من حياتهم حسابه دون أن يتركوه سُدىً.
أمّا كلمة (عقاب) فهي مشتقّة من مادّة (عَقِب) على وزن (خَشِن) المستعملة بمعنى كعب القدم ، وأُطلقت فيما بعد على مؤخّرة كلّ شيء ، ولكن ذُكر لها في مقاييس اللغة معنيان :
الأول تعاقب شيء مع آخر ، والثاني : المرتفع والشدّة والصعوبة (لذا وردت عقَبَة بمعنى منعطف).
وإنّما أُطِلقَ على عقوبات الأعمال (عقاب) لكونه عذاباً يصيب الإنسان عقب ارتكابه الأعمال السيئة.
وكذلك يُطلق على الأولاد والأحفاد (أعقاب) لأنّهم يأتون عقب الأب والجد ، ويطلقون على الطير المعروف اسم العقاب لأنّه يعقب فريستهُ بسرعة.
وعلى أيّة حال فإنّ وصف الباري بصفة (شديد العقاب) لا يعني أبداً أن يتجاوز عقابُهُ على مقتضى أصول العدالة بل لكون مجازاته وعقوباته دنيويّة وأخرويّة ، جسمية وروحيّة ، ولا يأمن منها أي أحد من المجرمين ، ولا تقوى أيّة قدرةٍ على التصدي لها.
فقد يُهلك الله قريةً ظالمة في لحظةٍ واحدةٍ أحياناً ، فيمطر حجارة على الأشرار ، وأحياناً يأمر أمواج البحر لتغرق فرعون وجنده والمتغطرسين في زمن قصير لتحيلهم طعاماً لأسماك البحر.
وأحياناً يأمر الريح العاصفة لتهلك الظالمين وتذري قصورهم في الفضاء وترمي بها في نقاطٍ نائية.
وأحياناً يُرسلُ طيراً أبابيل لترمي أصحاب الفيل بحجارةٍ من سجّيل وتُهلكهم وتجعلهم كعصفٍ مأكول لتمنعهم من التقدم لهدم الكعبة.
وبالتالي يأمر الله تعالى السماء لتمطر مطراً غزيراً ويأمر عيون الأرض لتتفجّر بالماء فيغطي سطح الأرض سيلٌ عظيم ولا يُبقي عليها إلّاسفينة النجاة للأطهار المحسنين!
أجلْ إنّه شديد العقاب في المحل المناسب ، وهذه الصفة تُعدُّ تحذيراً لكل الذين