وفي حديثٍ آخر : «إنّه تعالى يُحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر» (١).
وورد في حديث آخر : «إنّه سُبحانه يُحاسب جميع عباده على مقدار حلب شاة» (٢).
وقد اورد المفسرون الآخرون أيضاً نفس هذه التعابير تقريباً ولكن الحق أنّ أي واحدٍ منها لا يمكنه تبيان عمق الكلمات المذكورة ، والحقيقة يجب القول : إنَّ الله لا يحتاج إلى حساب لأنّ جميع أعمال العباد ماثلة بين يديه في آنٍ واحد.
والظريف هو ما توصّلت إليه العقول الألكترونية المصنوعة التي تستطيع القيام بمئات الملايين أو الملياردات من الحسابات الرياضيّة في ثانية واحدة أو عدّة ثوان ، ممّا يدل على عمق ما توصلت إليه سرعة الحساب في عصرنا الحالي!
ففي الوقت الذي يستطيع البشر ـ بكل ضعفه ونقائصه ـ التوصُّل إلى هذه السرعة الحسابية ، فلا توجد حاجة إذن إلى توضيح (إثبات) سرعة حساب القادر العلي الذي قدرته غير محدودة وعلمه غير متناهٍ.
وكما أشرنا في التفسير الأمثل أيضاً ، أنّ آثار أعمال الإنسان ستبقى وتتضاعف وتصير بذاتها خير وسيلة للحساب ، وهي على وجه التشبيه كالمعامل التي تحتوي مكائنها على عدّادات لإحصاء عدد دورات الماكنة أو كالسيّارات التي يتصاعد العدد الذي يعدّه عدّاد المسافة الموجود فيها كلما قطعت مسافة أكبر ، فلا توجد حاجة إلى الحساب لمعرفة معدّل عمل مكائن ذلك المعمل أو المسافة التي قطعتها هذه السيّارة ، فكل شيءٍ واضح ومُهَيأ.
لهذا يجب أنْ ندرك إن علمَ الله اللامحدود وأنّ ديمومة حضور الباري في كل مكانٍ من عالم الوجود من جهة ، وبقاء آثار الأعمال وتراكمها من جهةٍ اخرى سيؤدّي إلى تسريع حساب الخلائق كلّها كلمح البصر.
إنَّ التعليمات التي تحملها هذه الصفات الإلهيّة (حسيب ، سريع الحساب ، أسرع الحاسبين) هو أنّها تحذّر جميع الناس من تناسي أبسط الذنوب وأصغرها ، وتجعلهم على
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٢٩٨ ، ذيل الآية ٢٠٢ من سورة البقرة.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣١٣ وروح المعاني ، ج ٧ ، ص ١٥٤.