وتعالى ، منْ جُملتها : إنزال البلاء على العدو لا على الصديق والعقوبات الاستدراجيّة أي الإنعام مقابل الأعمال السيئة (ليحسب) الشخص المسيء أنّه يُحسن صنعاً ، ثمَّ يعاقبه بعدها ، والثالث : مجازاة العباد على أعمالهم (١).
وعلى أيّة حال فإنّ المكر الصحيح هو ما يصدر عن العالِم بعواقب الأمور وحقائق الأشياء الماضية والمستقبلية ، إضافةً إلى قدرته المطلقة على القيام بتدبيره ، ولكون هاتين الصفتين (العلم والقدرة اللامحدودتين) منحصرتين بذات الباري جلّ وعلا فهو «خير الماكرين».
والظريف هو أنّ وصف الباري بصفة (خَيرُ المَاكِرِينَ) قد ورد فقط في موضعين من القرآن الكريم ، أحدهما في قصّة الهجرة التي تُعدّ من أهم مراحل حياة الرسول الأكرم محمّد صلىاللهعليهوآله في قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو يَقتُلُوكَ أَو يُخرِجُوكَ وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرِينَ). (الأنفال / ٣٠)
وكما نعلم فإنّ مؤامرة قريش على قتل الرسول صلىاللهعليهوآله زادت من عزيمته وقوّت من إرادته على الهجرة ، الهجرة التي صارت سبباً في حدوث أكبر التحوّلات في تاريخ الإسلام وانتشار الحكومة الإسلامية في أنحاء العالَمِ ، وهنا يتّضح غلبة المكر الإلهي.
والآخر في المؤامرات المشتركة التي حاكها اليهود والنصارى في محاربة الإسلام والرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ـ الآية ٥٤ من سورة آل عمران ـ والتي كانت من أخطر المؤامرات ، لكن الله سبحانه قد أبطلها جميعاً.
وأخيراً فقد وُصِفَ الباري تعالى في الآية العاشرة والأخيرة بصفة : (خَيرُ الْوَارِثِينَ).
وهذه الصفة وردت مرّة واحدة فقط في القرآن الكريم عن قول زكريّا عليهالسلام ، في حين يُلاحَظ تكرار وصف الباري بصفة «وارث».
والسّر من وراء وصف الباري بهذه الصفة واضح تماماً لأنّه الوحيد الذي يبقى ويدوم ويرث العالمين ، وأمّا سواه من الوارثين فسيكونون موروثين يوماً ما.
__________________
(١) تاج العروس في شرح القاموس ، مادّة (مكر).