لعدم وجود بيت ولا مظلَّة ولا قوت ولا غذاء لايُمكن أن يتحقق سوى في ظل لطف الله (خَيرُ الْمُنْزِلِينَ) ، ويُنجيهم من المخاطر التي كانت تهدّدهم بعد رسوِّ السفينة.
وكذلك تتسبب قدرة الله اللامحدودة وعلمه بحاجات ضيوفه في أن يكون (خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
* * *
وتحدثت الآية التاسعة عن المكر الإلهي الفريد إزاء مؤامرات المنحرفين والظالمين ووصفته جلّ وعلا بصفة (خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
فكلمة (ماكر) مشتقةٌ من مادّة (مكر) ، وكما قال الراغب : إنّها تعني بالأصل صرف الغير عن الوصول إلى المقصود عن طريق المكر والحيلة ، وهو على قسمين : ممدوح ، وهو ما كان الهدف منه الوصول إلى مقصودٍ حَسن ، ومذموم : وهو ما كان هدفه قبيحاً.
ومن هنا يتّضح أنَّ ما يختلج في أذهاننا حول اقتران كلمة (مكر) دائماً بنوع من الشرّ والفساد ليس صحيحاً ، كما هو الحال في كلمة (حيلة) التي لها مفاهيم مشتركة عديدة بالرغم من تداعي المفهوم السلبي منها إلى أذهان عامّة النّاس.
يقول القرطبي في تفسيره : (المكر) معناه (التدبير الخفي في داء عمل معيّن).
ولكن يُسْتنتج من بعض كلام أرباب اللغة أنّهم يعتقدون باقتران كلمة المكر بنوع من المذمّة ، لذا فهم يقولون «إنّ هذه الكلمة ذات معنى مجازي عندما تستعمل بخصوص الباري تعالى» ، ولكن تعميم مفهوم (المكر) كما يُلاحظ عند الكثير من المفسّرين والمتكلمين ، يبدو أصحّ بنظرنا.
وعلى أيّة حال فإنّ السرّ في وصفه تعالى بصفة (خَيرُ المَاكِرِينَ) إمّا لكون قدرته على المكر والحيلة أكبر ممن سواه ، أو لأنّ (مكر) من سواه يُحتمل فيه الخير والشرّ ، لكن المكر الإلهي ممدوح دائماً.
وقد ذكر الزبيدي في شرح القاموس عدّة معانٍ للمكر ، عندما يُنسَبُ إلى الله سبحانه