أمّا الآية السابعة فقد وُصِفَ فيها الباري بصفة (خَيْرُ الغَافِرِينَ) ، يقول الفخر الرازي حول هذا الموضوع : «إنّ سبب وصفه تعالى بهذه الصفة هو لكون الآخرين إِنْ غفروا ذنباً إمّا لكسب مدح وثناء الناس ، أو للحصول على الثواب الإلهي الجزيل ، أو لدفع قساوة القلب ، وخلاصة الكلام إنّ عفو وغفران الناس لبعضهم إمّا لكسب منفعةٍ ، أو لدفع ضررٍ ما ، في حين أنّ الغفران الإلهي ليس كذلك أبداً ، بل هو نابعٌ من فضله وكرمه لا غير» (١). وعلاوةً على هذا فإنّ حقوق الناس على بعضهم حقيرة جدّاً بالقياس مع الحقوق الإلهيّة ، وعفوهم في هذه الحقوق الحقيرة قليلٌ جدّاً أيضاً ، والوحيد الذي يتجاوز عن عظيم الحقوق والخطايا ، ورحمته ومغفرته غير مشروطةٍ بشيء هو الله سبحانه وتعالى ، لذا هو (خَيرُ الغَافِرِينَ).
أضف إلى ذلك أنّه تعالى لايغفر ذنوب عباده فقط ، بل ويستر عليهم أيضاً ليحفظ كرامتهم في الدنيا والآخرة ، ولا يُفتضحون أمامَ الخلائق ، بل وأحياناً يُبدّل سيئاتهم حسنات شريطة أن لا يخرقوا جميع الحجب ، وأن يكون لديهم استعداد قليل لتقبّل كل هذا اللطف والإحسان.
إنَّ معرفة سبب نزول الآية المذكورة ، التي تحكي عن بني إسرائيل وارتكابهم أحد أكبر الذنوب وهو طلبهم رؤية الله بالعين الظاهرية كشرط مُسْبَق لإيمانهم به ، يُبيّن عمق مفهوم هذه الصفة الإلهيّة أي (خير الغافرين).
ووُصِفَ الباري في الآية الثامنة بصفة : (خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
فبعد أن أشارت الآية إلى قصّة نوح والطوفان العظيم الذي أصاب قومه ، ذكرت دعاء نوح عليهالسلام بعد أن هدأ الطوفان ورست سفينته : «ربِّ انزلني مُنزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين».
ويُمكن أن تكون كلمة «منزل» اسم مكان أي (مَنزِلاً) أو مصدر ميمي بمعنى (النزول والهبوط).
وعلى أيّة حال : فمن الواضح أنّ النزول من السفينة في تلك الظروف العصيبة ، وبالنظر
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ٢٠.