وبناءً على هذا فإنّ هذه الصفات التي تُدعى (صفات الفعل) تختلف عن (صفات الذات) القائمة بالذات الإلهيّة المقدّسة ، بل هي عين ذاته ، وعدم فهم هذه الحقيقة من قبل المعتقدين بقِدَم كلام الله وأزليته جرّهم إلى معتقدات مُضحكة كقدم جلد القرآن.
٤ ـ اضطرّ جماعة من الأشاعرة ، ممن كانوا يُدركون هذه المسائل ، إلى طرح مسألة (الكلام النفسي) ، الكلام الذي يُمكن أن يكون قديماً وقائماً بذات الله ، وقد تمسّك هؤلاء لإثبات هذا المطلب بالآية القرآنية التالية التي تتحدّث عن جماعة من المنافقين : (وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِم لَولَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ). (المجادلة / ٨)
أو بالشعر المعروف عن (الأخطل) أحد شعراء العصر الأموي :
إنّ الكلام لَفي الفؤاد وإنّما |
|
جُعِلَ اللسان على الفؤاد دليلاً |
وأرادوا بهذا التخلُّص من التّضادّ الموجود بين حدوث كلام الله وقِدَم صفاته.
ولكنهم تورّطوا بهذا في مشكلةٍ أكبر ، وهي أنْ لو كان المقصود من الكلام النفسي هو (تصوير الألفاظ والجمل وإمرارها من الذهن والفكر) ، فإنّ هذه الأمور لا معنى لها بخصوص الله تعالى ، لأنّ ذاته المقدّسة ليست محلًّا لمثل هذه العوارض الجسمانيّة.
وإن كان المقصود منه علم الله الأزلي بمحتوى القرآن الكريم ، فلا ريب في أنّه تعالى قد أحاط علماً بجميع هذه الأمور منذ الأزل ، ولكن في هذه الحالة يعود الكلام النفسي إلى علم الله ولن يكون صفة مُستقلّة.
والخلاصة هي أنّ محتوى الكتب السماويّة كانت في علم الله دائماً (منذ الأزل) ، وهذا الشيء لا يخرج عن صفة (العلم) وأمّا عين الألفاظ والحروف فلا ريب من كونها حادثة ، ولا يوجد هنا شيء ثالث تحت عنوان (الكلام النفسي) ليكون قديماً ومغايراً لصفة (علم الله).
إنَّ هذه الأمور واضحة كلها ، لكنّه ومع الأسف الشديد فقد سوّدت النزاعات حول كون كلام الله قديماً أم حادثاً ، صفحات كثيرة من تاريخ الإسلام ، وسببت حوادث دامية.
فأحياناً مالت الحكومات إلى جماعة المعتزلة (كبعض خلفاء بني العباس) ، فأجبرت الجميع على الاعتقاد بحدوث كلام الله ، وضربوا أعناق البعض بسبب عدم اعترافهم بذلك.