وقد اعتقد بعض المفسّرين بأنّ التعبير بكلمة (أصدق) يخص الكميّة فقط (أي مَن هو أكثر صدقاً في الموارد) ، لا الكيفيّة ، لأنّ الكلام الصادق هو ما طابق الواقع وإلّا فهو كذب ، ولا يُمكن تصوُّر الزيادة والنقصان في كيفيته (١).
ولكن الحق هو إمكانية تصوُّر درجات مختلفة للصدق من حيث الكيفيّة ، وهو عندما يكون الواقع ذا أبعاد مختلفة ، فمن المسلَّم أنّ المتكلّم الذي يُطابق كلامه الواقع في جميع الأبعاد يُعتَبر أصدق ممن يُطابق كلامه الواقع في أبعاد مُعينَّة.
فمثلاً عندما يُشبّهُ مؤمنٌ (بسلمان الفارسي) ، والآخر يُشبَّهُ (بأبي ذر) ، فمن المسلَّم أن أصدقهما هو من أخذ بنظر الإعتبار في تشببهه أبعاداً أكثر.
والله أصدق حديثاً ممن سواه ، إنّما هو كذلك ، لكون منشأ الكذب إمّا من الجهل وعدم معرفة الواقع ، أو من الضعف والعجز والحاجة ، ولكون ذاته المقدّسة منزّهة عن جميع هذه الصفات ، فهو أصدق حديثاً.
وتحدثت الآيتان الثالثة والرابعة عن صدق الله في وعوده ، لكن الآية الثالثة تحدثت عن الوعد الإلهي حول النصر على الأعداء في معركة أُحد ، حيث انتصر المسلمون في البداية طبق هذا الوعد ، لكن تثاقل وعصيان جماعة منهم أدت إلى انكسارهم في نهاية الأمر ، قال تعالى : (وَلَقْدَ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) ، ولكن اختلافكم وتماهلكم وعصيانكم في نهاية الأمر أدّى إلى انكساركم ، والتقصير إنّما جاء من عندكم ، ولم يخلف اللهُ وعدَهُ.
وكان هذا ردّاً على من كانوا يعتقدون بأنّ هزيمتهم في معركة أُحد ، هي خلاف للوعد الإلهي.
أمّا الآية الرابعة فقد تحدثت عن لسان حال المؤمنين حول واقعة الأحزاب ، حيث إنّهم عندما وقفوا أمام جيش الأحزاب قالوا : (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ).
والكلام هنا يدور حول كُلّ مَن صدق الله وصدق رسوله الذي : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى *
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٥ ، ص ٩٥ ، ذيل الآية ٨٧ من سورة النساء.