ويُحتمل أيضاً أن يؤدّي ترابط عالم الوجود ، وبالأخص حياة البشر ، مع بعضه إلى أنّه لو افترضنا صدور ظلمٍ معينٍ من ذاته المقدّسة بشأن أحدٍ ما ، لسَرى إلى الآخرين واتخذ صفة (ظلّام).
كيف يُمكن أن يوصف الله ، المنزّه عن كل عيبٍ ونقصٍ ، والموصوف بجميع صفات الجمال والجلال ، بصفة (الظلّام)؟
والتفسير الرابع هنا ، والذي يَبدو أفضل من جميع هذه التفاسير ، والمشار إليه في بعض الروايات الواردة عن المعصومين عليهمالسلام ، هو أنّ الآية المذكورة ـ ونظراً لما ورد في صدرها ـ تُبطل عقيدة الجبر : فتقول : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا). (فصلت / ٤٦)
فعليه الجميع مفوّضون في ممارسة الأعمال ، وإذا أجبرهم الله على ارتكاب الذنوب وآخذهم عليها لكان ظلّاماً قطعاً ، ولأنّ الله ليس بظلّامٍ للعبيد فهو لا يجبرهم على ارتكاب القبائح ويؤاخذهم عليها فيما بعد.
ورد في حديثٍ عن الإمام الرّضا عليهالسلام أنّه سُئِلَ من قِبَل أحد أصحابه : هل يجبر الله عباده على الذنب؟ فأجابه عليهالسلام : «لا ، بل خيّرهم وأمهلهم ليتوبوا» ، فسأله كذلك : فهل يكلّفهم ما لا يُطيقونه؟ فقال الإمام عليهالسلام : «كيف يفعل ذلك وهو يقول : (وَمَا رَبِّكَ بِظَلَّامِ لِّلعَبِيدِ).
(لاحظوا أنّ الإعتقاد بالجبر يوجب التكليف بما لا يُطاق ، لأنّ العبد المجبور على المعصية ، لا طاقة له على الترك ، في حين أنّ الله قد فرض عليه تركها) (١).
والجدير بالإلتفات هو أنّ كلمة (ظلّام) قد وردت. خمس مرّات في القرآن الكريم أربعٌ منها بخصوص مسألة حريّة إرادة العباد (٢).
* * *
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٥٥٥ ، ح ٧١.
(٢) وردت عبارة (وما ربك بظلام للعبيد) ، في آل عمران ، ١٨٢ ؛ وفصلت ، ٤٦ والتي يدور البحث حولها والانفال ، ١٥١.