والظريف هو أنّ القرآن الكريم قد استعان بالوجدان البشري العام حول هذا الموضوع ، وطلب منهم أن يحكموا بأنفسهم في هذه المسألة ، خلاف ما يعتقده الأشاعرة من كون الحسن والقبح ذا أبعادٍ شرعيّة فقط لا وجدانية.
يقول تعالى : (أَفَنَجْعَلُ المُسلِمِينَ كَالُمجرِمِينَ* مَالَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ). (القلم / ٣٥ ـ ٣٦) لاحظوا أنّ القرآن الكريم قد بين هذا الكلام بعد ذكره عظيم ثواب المتقين ، ممّا يدل بوضوح على اعتراف القرآن الكامل بمسألة تحكيم العقل في موضوع العدل والظلم ، حيث شجب الظلم واستحسن العدل ، بحكم العقل.
* * *
٥ ـ العدل في الروايات الإسلاميّة
أولت الروايات الإسلاميّة أهميّة كبيرة إلى معرفة العدل الإلهي ، ومسائل كثيرة اخرى تتشعّب منه ، بشكل بحيث يتضح من مجموعها أن مسألة العدل الإلهي كانت أمراً أذعن له الجميع ، وتعتبر من الامور الفطرية والضرورية في وجدان بني البشر.
١ ـ عن أميرالمؤمنين عليهالسلام قال : «ارتفع عن ظُلمِ عبادهِ ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدَلَ عليهمْ في حُكمهِ» (١).
٢ ـ وقال عليهالسلام في موضعٍ آخر : «واشهدُ أنّهُ عَدلٌ وحَكمٌ فَصْلٌ» (٢).
٣ ـ وقال أيضاً : «الّذي عَظُمَ حِلمُهُ فعَفى ، وعَدَلَ في كلِّ ما قضى» (٣).
٤ ـ وفي حديثٍ نبويٍ شهير أنّه صلىاللهعليهوآله قال : «بِالعَدلِ قَامَتِ السَّمَواتِ وَالأَرضِ» (٤).
ومن الواضح أنّ العدالة مستعملة هنا بمعناها الواسع وتعني : «وضع كل شيء في موضعه» ، وتشمل كلاً من العدالة مع العباد ، والعدالة والنظم في مجموعة عالم الوجود.
٥ ـ وفي حديثٍ نقله المرحوم العلّامة المجلسي قدسسره في بحار الأنوار ، حول وصف
__________________
(١) نهج البلاغه ، الخطبة ١٨٥ ، ص ٤٢٨.
(٢) المصدر السابق ، الخطبة ٢١٤.
(٣) المصدر السابق ، الخطبة ١٩١.
(٤) تفسير الصافي ، ذيل الآية ٩ من سورة الرحمن.