أفَسَقِمَ الأفراد حتى أنكروا كل حقيقة ، أم اضطرّ الذين وقعوا في حصار مسائل اخرى (كمسألة الجبر والتفويض) ، إلى إنكار مثل هذه الأمور؟
الدليل الثاني : يُمكن تلخيص منابع الظلم في عدّة أمور من خلال تحليل واضح :
وينشأ الظلم أحياناً من (احتياج الإنسان) ، وعوضاً من أن يصل الظالم إلى مقصوده ويسدّ حاجته ببذل الجهود والمساعي الصحيحة ، يسعى لتأمين حوائجه عن طريق غصب حقوق الآخرين.
وأحياناً ينشأ من (الجهل) وعدم الإطّلاع ، فالظلم لا يعلم الحق ولا يدرى ماذا يصنع وأي ذنبٍ يرتكب!
وأحياناً ينشأ الظلم من (عبادة الهوى) و (الأنانية) ، لأنّ الظالم يعجز عن الوصول إلى مقصوده ، ولا يستطيع أن يضبط نفسه أمام فقدان الشيء فيلتجىء إلى الظلم.
وأحياناً ينشأ الظلم من (دافع الإنتقام) و (الحقد) ، فينتقم الإنسان أضعاف ما لاقاه من الظلم.
وقد يكون الظلم صادراً من الضعف والعجز ، فحين يعجز الظالم من تحقيق أهدافه ولا يتمكن من السيطرة على نفسه ، يلتجىء إلى ظلم الآخرين.
وأحياناً قد ينبع الظلم من (الحَسد) ، فالحسود الذي يُعاني من نواقص معينة ، ولا يستطيع أن يشاهد غيره منعّماً ومرفّهاً فينازعه ليسلب منه النعمة بالظلم والجور ، وما شاكل هذه العوامل والدوافع التي تحكي جميعها عن وجود نوع من النقصان والإنحطاط.
اذن ، فكيف يُمكن في هذه الحالة أن يصدر الظلم والجور من الوجود الذي هو عين الكمال المطلق ، في حين أنّه منزّةٌ عن الحاجة والجهل والضعف والأنانية والغرور والحقد والانتقام ، ولا يوجد من هُو أكمل منه ليحسده ، ولا يستطيع أحد أن يسلب منه الكمال لكي يدفعه ذلك إلى الإنتقام؟
فهل يصدر شيء من مثل هذا الرب سوى الخير والعدل والرأفة والرحمة؟
وإن يعاقب الظالمين فبما كسبت أيديهم ، فما هو بحاجة إلى معاقبتهم ، ولا ذنب المذنبين يمس ساحة كبريائه.