إمّا الثواب وإمّا العقاب ، وبإمكانه أن يشملهم بعفوه ، وبأنواع الثواب والنعم من دون أي سبب ، فلطفه تمام الفضل وعقابه وعذابه تمام العقل ، «لا يُسئل عمّا يفعل وهم يُسئلون» (١).
٣ ـ إنّهم يقولون : لا يُمكن وضع معيار ومقياس معين لأفعال الله ، وبتعبيرٍ آخر ، لا تعني عدالة الله التزامه بقوانين تدعى : (قوانين العدل) ، بل تعني : أنّه تعالى عين العدل وما يفعله عين العدالة ، فالعدل ليس بمقياسٍ لتشخيص فعل الله ، بل إنّ فعل الله ميزان ومقياس للعدل : فلو أدخل جميع جُناة العالم الجنّة فهو عين العدالة ، وكذا لو ألقى جميع المحسنين ، والطاهرين ، والأئمّة ، والأنبياء المعصومين في النار فهو عين العدالة أيضاً!
٤ ـ يعتقد الأشاعرة بأنّ الإنسان غير مخيّر أبداً في أعماله ، وكل ما يفعله فإنّما هو بارادة الله!
وعندما واجهوا هذا السؤال وهو : كيف يُمكن أن يُصدّق العقل بأنّ الله يجبرنا على المعصية ثم يؤاخذنا عليها؟ حيث إنّ هذا أمرٌ يُنافي عدالته تعالى.
ومن أجل الرد على هذا الإشكال أنكروا مسألة العدل والظلم وقالوا : (كل ما يفعل فهو عين العدل ، ولا يحق لأحدٍ أن يسأله عمّا يفعل).
٥ ـ يُمكن أن يكون اتجاه بعضهم إلى نظرية نفي العدالة ناتجاً عن وقوفهم حائرين أمامَ هذا السؤال الذي يرتبط بالمسائل المتعلقة بالمعاد ، والعذاب ، ومجازاة الكافرين ، وهو : كيف يُمكن أن يخلد في نار الغضب الإلهي مَنْ أذنب وكفر وأشرك بربّه خمسين سنةً مثلاً؟ وكيف يتماشى هذا مع أصل العدل؟!
ولأنّه لم يكُن لديهم جواب على هذا السؤال فقد أنكروا أصل مسألة العدل.
٦ ـ إنّ شك البعض الآخر منهم في هذه المسألة ناشىءٌ من مشاهدتهم بعض النقائص الظاهرية ، من قبيل الآفات ، والبلايا ، والعواصف والزلازل ، وحوادث اخرى من هذا القبيل ، وكذا الأمراض ، الاحباطات ، وحالات الفشل في حياة البشر ، ولأنّهم باتوا عاجزين عن تفسير هذه الأمور الفلسفيّة ، فقد سلكوا طريق إنكار العدالة.
__________________
(١) الملل والنحل ، ص ١٠٢.