ويُضيف قائلاً في تكملة الآية : (لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ).
اعتقد بعض المفسرين بأنّ هذه الآية تُشير إلى العقوبات والمجازاة الإلهيّة التي تصيب الناس بسبب (أعمالهم السيئة) ، ولكن يبدو أن صدر الآية يُشير إلى وجود نوع من الرابطة التكوينيّة فيما بين (الفساد) و (الذنب) ، وذيل الآية يُصدّق هذا المعنى أيضاً ، لأنّه لم تُذكر كلمة (عقوبة) فيها ، بل : (لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِى عَمِلُوا) لا (جزاء الذي عملوا) ، ويُمكن أن يكون سبب استعمال كلمة «بعض» هو إبطال الله مفعول بعض هذه النتائج الطبيعيّة بلطفه ورحمته.
وعلى أيّة حال فإنّ الآية أعلاه تدلّ على أنّ المفاسد الاجتماعية : كانعدام الأمن ، الحروب ، تسلُّط الظالمين ، ابتلاء المظلومين ، وأمثال ذلك وليدة عمل الإنسان نفسه ، ويجب أن لا تُحتَسب أبداً على الخالق ويُشكّك بالعدل الإلهي بسببها. (تأمل جيّداً).
٣ ـ يُفهم من آيات أُخرى أن سبب تغيّر النعم الإلهيّة هو تغيُّر أحوال الناس ، حيث قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَايُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم). (الرعد / ١١)
وقد بين نفس هذا المطلب في موضعٍ آخر مستعملاً كلمة (النعمة) بصريح العبارة ، حيث قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَم يكُ مُغيِّراً نِّعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم). (الأنفال / ٥٣)
وبتعبيرٍ آخر أوضح : إنّ الفيض والرحمة الإلهيّة عامّة وواسعة ، لكنها تُقسَّمُ بين الناس وفق الإستعدادت والاستحقاقات ، فإن استفادوا من النعم بصورة صحيحة كانت دائمية أبديّة ، وإن صارت وسيلةً للطغيان والظلم والجور والغرور والكفر ، فلا ريب في أنّها تكون بلاءً ، وهذا تأكيدٌ على أنَّ الكثير من المصائب التي تصيب الإنسان هي مِمّا كسبت يداه.
٤ ـ وفي موردٍ آخر ، وضمن الإشارة إلى ضيق صدور الناس ، أشارت الآية التالية إشارةً لطيفة إلى العلاقة بين (المصائب) و (أعمال الناس).
قال تعالى : (وَإِذَا أَذقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيهِمْ إِذَا هُم يَقنَطُونَ). (الروم / ٣٦)