آخر الكلام حول مسألة العدل الإلهي : انعكاس العدل الإلهي في «الأخلاق» و «العمل». فقد أشرنا سابقاً إلى عدم انفصال «المسائل العقائدية» عن «المسائل العلميّة» في الإسلام ، وإلى كون التفكّر بالصفات الإلهيّة يؤدّي إلى تفتُّح بصيرة الإنسان ، وربطها بذلك الكمال المطلق ، والسعي للتقرب إليه تعالى بالسير الظاهري والباطني ، وهذا القرب سيؤدّي بالنتيجة إلى تخلق الإنسان بالأخلاق الإلهيّة ، وانعكاس صفاته تعالى في أخلاقه واعماله.
لذا فكلما تقرب الإنسان إليه أكثر ، تأصلت هذه الصفات فيه أكثر ، لا سيما في مسألة العدل الإلهي ، «سواءً أفسّرنا العدالة بمفهومها الواسع أي وضع كل شيء في محلّه المناسب ، أم بمعنى أداء الحقوق ومحاربة كل ألوان التبعيض والإجحاف» ، فهذه العقيدة تترك أثراً في الفرد المسلم والمجتمعات الإسلامية ، وتدعوهم نحو إدارة الأعمال بصورة صحيحة ، ورفع راية العدل ليس فقط في المجتمعات الإسلاميّة ، بل في العالم أجمع.
ومسألة العدالة في الإسلام بدرجة من الأهميّة بحيث لا يحول دونها شيء ، فلا أثر للحب والعداوة والقرابة والأرحام ، البعد والقرب فيها وأي انحراف عنها يُعدّ اتباعاً للهوى ، كما ورد في قوله تعالى : (يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرضِ فَاحكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ) (ص / ٢٦)
قوله تعالى : (وَلَا يَجْرِمَنَّكُم شَنَئَانُ قَومٍ عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا). (المائدة / ٨)
وهذا الموضوع بدرجة من الأهميّة بحيث لو لم يتيسّرْ تطبيق العدالة بالطرق السلميّة لجاز تعبئة المظلومين ودعوتهم إلى الثورة العامة من جهة ، ومقاتلة الظالم للدفاع عن حقهم من جهة اخرى ، كما ورد في الآية : (وَمَا لَكُم لَاتُقاتِلُونَ فِى سِبيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وِالوِلْدانِ). (النساء / ٧٥)
* * *